مضى أكثر من شهر على مبادرة السلام التي أطلقها رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء مهدي المشاط في خطاب له بمناسبة مرور خمس سنوات على ثورة 21 سبتمبر أيلول عام 2014.
المبادرة تضمنت وعداً من قوات الجيش واللجان الشعبية بصنعاء بإيقاف الضربات الجوية عبر الطائرات المسيرة و الصواريخ الباليستية على المملكة العربية السعودية لكن بشرط أن يلمس اليمنيون تجاوباً من المملكة ويتم إيقاف الغارات على اليمن.
وخلال هذه المدة التزمت سلطات صنعاء بالمبادرة في حين خفت غارات تحالف العدوان بقيادة السعودية على اليمن، وتحدثت تسريبات بأن المملكة فتحت خطاً للتفاوض مع الرئيس مهدي المشاط عبر طرف ثالث لم يتم الكشف حتى الآن عن هوية هذا الطرف أو ماهية التفاوض بين الجانبين.
المسؤولون في صنعاء يقولون إن السعودية تراوغ في شأن مبادرة صنعاء للسلام، حيث تصدر منهم تصريحات إيجابية غير أن الواقع خلاف ذلك، فالسعودية تتعمد التصعيد في الجبهات وتحشد بشكل كبير لاستئناف ومواصلة الحرب على اليمن.
والتساؤل الذي يطرحه الكثير من المراقبين والمحللين هذه الأيام يتمحور حول متى سينتهي العدوان على اليمن؟ وهل سترضخ السعودية للسلام أم أنها ستواصل خيار الاستمرار في الحرب مهما كلفها ذلك من ثمن؟
والحقيقة أن جميع المتابعين للشأن اليمني يدركون جيداً أن من مصلحة الرياض هو مد يد السلام لليمنيين والمسارعة في إيقاف هذا العدوان الذي يوشك على إنهاء عامه الخامس، لأن المعادلة تغيرت تماماً، فاليمنيون باتوا يملكون أساليب الردع بعد أن تم تفعيل سلاحي الطيران المسير والصواريخ الباليستية بفاعلية في هذا الجانب، في وقت أفلس فيه التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن في تحقيق أي أهداف على الأرض خلال السنوات الخمس الماضية، وبات العالم ينظر إلى المملكة بعين السخط والازدراء بسبب جرائمها البشعة في اليمن وقتلها للأطفال والنساء وتدمير البلاد بلا هواده.
وإزاء هذه التطورات لم يصدر عن السعودية أي موقف يشير إلى اقتراب موعد نهائي للحرب على اليمن، والواقع أن السعودية تخشى لو أعلنت عن ذلك أن تظهر أمام العالم في صورة المهزوم، لا سيما وهي التي كانت تتباهى بسحق من تسميهم “الحوثيون” وتدمير معظم عتادهم العسكري وفي الأيام الأولى من العدوان عام 2015.
ونحن نقول إن السعودية ستجبر على إيقاف عدوانها على اليمن لسببين:
الأول: أن المملكة لا تتحمل تلقي ضربة عسكرية من قبل أنصار الله أو قوات صنعاء كتلك التي حدثت في الرابع عشر من أيلول سبتمبر 2019 حين استهدفت عشر طائرات مسيرة تابعة لأنصار الله منشأتي نفط تابعتين لأرامكو السعودية وأدت الضربة إلى توقف نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة ويقدر بخمسة ملايين برميل، ومع ذلك لا تزال صنعاء تؤكد بأن العمليات القادمة ستكون أشد إيلاماً على النظام السعودي إذا واصل عدوانه على اليمن.
إن خطورة الهجوم الأخير على السعودية هو أنه تعدى حدود الصراع الإقليمي واستهداف الداخل السعودي، إلى محاولة ضرب الاقتصاد، والإضرار بعلاقات الرياض مع العديد من القوى العالمية، التي تعتمد على النفط السعودي، عبر إظهار السعودية بأنها غير قادرة على حماية منشآتها النفطية.
الثاني: هو الانهيار الكبير للجيش السعودي في جبهات الحدود اليمنية مع المملكة، ففي حين كانت السعودية تستعد لتنفيذ عملية عسكرية كبرى داخل العمق اليمني لرد الاعتبار على قصف منشآت أرامكوا وتحديداً بالتقدم صوب محافظة صعدة وهي المعقل الرئيس لأنصار الله، فوجئت بالرد الساحق من قبل أبطال الجيش واللجان الشعبية حيث تمكنوا من أسر أكثر من ألفي مقاتل وإلحاق هزيمة ساحقة بالجيش السعودي والمرتزقة اليمنيين في وادي آل أبو جبارة في محور نجران في عملية سميت بـ “نصر من الله”، ثم لحقت بها عملية أخرى أشد إيلاماً على المملكة حين سيطر أبطال الجيش واللجان الشعبية على منطقة الملاحيط بالكامل في الحدود المقابلة لمنطقة جيزان السعودية وتم خلال هذه العملية مقتل وأسر المئات من الجنود السعوديين والمرتزقة اليمنيين والسودانيين الذين يقاتلون إلى جانبهم.
المسؤولون في صنعاء يؤكدون أن خيارات اليمن في حال استمر العدوان بقيادة السعودية عليه كثيرة ومتعددة، فالصواريخ الباليستية والطيران المسير سيعود إلى قصف الأهداف الاستراتيجية في السعودية والإمارات، كما أن الجيش واللجان الشعبية سيواصلون الزحف تجاه حدود المملكة وقد يصلون إلى ما بعد نجران، وسيكون هناك تصعيد كبير في البحر الأحمر وخاصة في مضيق باب المندب إذ سيكون بإمكان صنعاء منع السفن النفطية السعودية من المرور عبر هذا المضيق الهام، كما أن مطارات وموانئ السعودية والإمارات لن تكون في مأمن من القصف، في وقت لم يعد لتحالف العدوان على اليمن أي أهداف أو خطط عسكرية لردع أنصار الله أو إلحاق الهزيمة بهم.
والواقع أن السعودية الآن في حالة تخبط مستمر، وهي لا تملك الحلول السحرية للخروج من ورطتها في اليمن، وفيما تكيل الاتهامات باستمرار لإيران بأنها الداعم الكبير لأنصار الله في اليمن، يأتيها الرد من طهران من قبل وزير الخارجية محمد جواد ظريف حين يؤكد في تصريح لقناة المسيرة يوم الاثنين 22 أكتوبر تشرين الأول 2019 استعداده للسفر إلى الرياض من أجل حل الخلافات إذا تهيأت الظروف المناسبة.
ويوضح ظريف أن طهران ستقف دائما إلى جانب الشعب اليمني، لأنها تؤمن بأن إيقاف الحرب هو لمساعدة الشعب اليمني بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن “الاتصالات مستمرة مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بشأن الوضع في اليمن”، و أن طهران ترحب بأي مبادرة لتخفيف التوتر في المنطقة وستتعاون بشكل تام مع أي خطوة لإنهاء الحرب في اليمن.
وتأمل السعودية الحليف الأبرز لأمريكا في المنطقة أن يأتيها الفرج من واشنطن، فمنها انطلقت الحرب ومنها أيضاً ستتوقف، غير أن الأمريكيين لم يصدر عنهم إلى الآن أي مواقف تبشر بإيقاف العدوان على اليمن، بل على العكس من ذلك فهم يدفعون بالمزيد من الجنود إلى الرياض ويضغطون على السعوديين لشراء المزيد من الأسلحة و أنظمة الباتريوت.
وذات يوم قال البنتاغون للتحالف بقيادة السعودية إن النصر العسكري في اليمن غير ممكن وإن الحل هو في تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف، إلا أن الأوامر لم تصدر بعد من البيت الأبيض لأمراء الخليج بإيقاف الحرب السخيفة على اليمن، ولو صدرت تلك التوجيهات لتوقف كل شيء.