الوحدة نيوز:
تستجمع “عبير” ذاتها محاولةً الاعتدال، ترمق بِعَيْنَيْنِ جَاحِظَتَيْنِ ما إن كان القادم حاملاً بيديه ما يسد رمق جوعها ويعينها على التجول في المستشفيات بحثاً عن الدواء الذي يعيد لها الحياة لجسدها المنهك بسبب سوء التغذية، ولقلبها المكلوم بسبب الفقر والمرض والمعاناة.
تنتمي عبير (5 أعوام) لأسرة فقيرة مكونة من أب أقعده المرض وأم وأخ وأختين (يزن 12 عاماً ـ عواطف 8 أعوام ـ شهد 3 أعوام).. يقطنون في دكان في أطراف شمال العاصمة صنعاء حيث الطريق المؤدية إلى منطقة صرف.
تعيش الأسرة على معونات غير منتظمة يجود بها بعض سكان الحي من قوتٍ وغذاء ونقود رمزية لسداد إيجار الدكان.. يكابدون الجوع إذا ما غفل جيرانهم من سكان الحي أو انشغلوا عنهم بمشاغلهم الخاصة في ظل غياب تام للمنظمات الإنسانية.
الوالد الذي أقعده المرض تعطل عن عمله اليدوي كعامل يرتمي فجراً في أحضان “حراج العمال” يهرول مسرعاً كغيره المئات الذين ينتظرون قدوم مقاول أو صاحب عمل، ومن بين مئات المرات الفاشلة يصيبه الحظ بواحدة لا يغني مردودها عن سد رمق الأسرة ليوم أو يومين.
فرش رث المنظر، وبقايا أثاث مهترئ، وبيئة غير صحية، ومكان غير صالح للاستخدام الآدمي، يرون فيه قصراً مشيدا إذا ما توفرت لهم لقمة عيش تسد جوعهم، وقيمة قنينة أو كبسولات دواء يخفض الألم الذي يسري في أجسادهم عضوياً ونفسياً.
حرمان من التعليم ومن حق الحياة الكريمة ومن حقوق الطفولة تحكيه نظرات الطفلات البريئة مع اهتزاز رؤوسهن بإيحاء النفي عند السؤال عن التحاقهن بالمدرسة، وخلفها تبدو آلاف الحكايات لمشاهدتهن أقرانهن من الفتيات يرتدين زيهن المدرسي ذهاباً وإياباً إلى المدرسة، ويعشن حركات الطفولة لعباً ومرحاً..
وعلى وقع قصة مؤلمة منذ فترة وجيزة، لوالدٍ ضاعت إنسانيته وآدميته فأقدم على قتل طفلاته بما برره بدافع الجوع، تتدافع الثلاث الطفلات نحو والدهن ووالدتهن ارتماء في أحضانهما، يعقبه حديث لرب الأسرة (…………) مملوء بحشرجة البكاء: “والله لن أفرط فيكن بناتي الغاليات بدافع الفقر، كما يصنع من فقدت قلوبهم الإيمان والرحمة والإنسانية، وإذا كان هناك من أحد يستحق الموت فأنا أولى به، وروحي وحياتي فداء لكُنّ، وثقتي بالله كبيرة أنه لن يضيعني”.
وتشهد اليمن أوضاعا إنسانية متردية مع دخول الحرب عامها الخامس وتوقف رواتب أكثر من 1.25 مليون موظف حكومي في اليمن بمن فيهم الأطباء والأخصائيون الاجتماعيون وغيرهم من العاملين في القطاع العام، وانهيار للاقتصاد في مختلف الجوانب.
وبحسب تقارير حديثة لمنظمة اليونيسف فإن الخدمات العامة الأساسية في اليمن على شفير الانهيار التام حيث لم يعد هناك سوى 51 في المائة من إجمالي المرافق الصحية لا تزال تعمل بشكل كامل رغم أنها تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والموظفين.
وفيما يتعلق بحجم المعاناة في اليمن، بينت المنظمة أن 24 مليون و100 ألف شخص- أي جميع سكان اليمن تقريباً – بحاجة إلى مساعدة إنسانية، ويعاني 10 ملايين مواطن يمني من الجوع الشديد، و360 ألف طفل دون الخامسة من سوء التغذية.
وأشارت المنظمة استناداً للنظرة العامة إلى الاحتياجات الإنسانية في اليمن، 2019، إلى أن 238 ألف شخص يعيشون في جيوب من المجاعة الكارثية – مما يشكل تهديد وجودي بالنسبة لهم، و2,3 مليون مواطن فروا من منازلهم ويعيشون الآن كنازحين.
وقالت المنظمة أن النسيج الأساسي لأفقر بلد في الشرق الأوسط في حالة يرثى لها، فعلاوة على المخاطر التي تهدد الحياة من جراء استمرار النزاع تبقى التحديات العاجلة المتمثلة بالفقر وندرة الغذاء ونقص مياه الشرب المأمونة تشكل تهديداً من نوع خاص يواجه القطاع الأكثر ضعفاً داخل المجتمع اليمني وهم النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم.
ودعت المنظمة إلى زيادة الموارد، من خلال توفير موارد أكبر لدعم خطط حماية الصحة الاجتماعية وتوسيع نطاقها بما في ذلك التحويلات النقدية للأسر الضعيفة وكذلك القسائم الصحية، وتحسين السلوكيات المعززة للصحة.