عبد القادر عثمان
تعمل أسماء المشرقي (35 سنة)، منذ عامين، على صنع الشوكولا في منزلها، بأشكال ونكهات مختلفة، ساعية إلى مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مع ملايين اليمنيين، نتيجة الحرب الدائرة في البلاد منذ آذار/ مارس 2015.
تعرض المشرقي صناعاتها المنزلية في مهرجانات وبازارات وحفلات، وتروّج لها عبر نوافذ الإنترنت، مستفيدة من تطور التقنيات الحديثة في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، لإيصال منتجها إلى أوسع شريحة ممكنة من رواد تلك المنصات.
وهي واحدة من عدد كبير من اليمنيات اللائي اتجهن إلى الصناعات المنزلية وإنشاء المشاريع الصغيرة لمواجهة الحرب في البلاد، التي ما زال مجتمعها يتمسك بعاداته وتقاليده التي ترى المرأة كائناً منزلياً، على رغم محاولات اليمنيات المستمرة لكسر هذه النظرة القاصرة، واعتماد عدد متزايد من الأسر على الفتيات للإعالة من خلال الأعمال الزراعية مثلاً.
وعن أسباب لجوئها إلى صناعة الشوكولا، تقول أسماء لـ”درج”: “الوضع الذي تمر فيه البلاد حالياً، هو ما دفعني إلى تغطية العجز المادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي”. مع العلم أن زوجها موظف حكومي لم يتقاضَ راتبه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبذلك تعيل أسماء أسرة من 9 أشخاص.
“سويت يمن”، بهذا الاسم تقدم أسماء الشوكولا الذي تصنعه، بأسعار بخسة، أقل بكثير من الشوكولا المستورد وماركاته العالمية، مع أن المذاق لا يختلف تقريباً. وهي تسعى إلى “إنشاء معمل خاص يوفر عليها الجهد والوقت ويزيد حجم الإنتاج وينافس المنتج الخارجي” بحسب قولها.
طالبات منتجات
أما رقية أحمد (22 سنة)، وهي طالبة جامعية، فكانت تشارك في الخياطة في المعرض الدائم للأسر المنتجة في صنعاء، الذي يضم 300 أسرة منتجة، إضافة إلى مشاركة شابات في العشرينات.
تقول رقية لـ”درج”: “في السابق أنتجنا ملبوسات للأطفال وبعض الملابس المنزلية للنساء (لباس تحرم العادات والتقاليد اليمنية خروج المرأة إلى الشارع فيه) إضافة إلى المناديل”، لكنها حينما رأت في عيون الفتيات الإحباط حاولت أن تجمعهن تحت اسم منتج واحد، هو “الفخامة”. تضيف “أعطيت كل واحدة منهن نوعاً من الحلويات لصناعته وبيعه بأسعار مناسبة”.
وكأسماء روّجت رقية للفخامة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وداخل المعرض، وبعدما كانت لا تتوقع استمرار المشروع، أصبح لـ”الفخامة” اسماً كبيراً داخل المعرض وخارجه. تؤكد رقية أن المنتج حقق نسبة حجوزات عالية خلال أربعة أشهر فقط، واكتسبت الفتيات الثقة في سوق العمل.
قدّمت رقية ورفيقاتها وهن 8، بينهن أربع طالبات جامعيات، 42 طلبية خلال شهرين فقط، وحققن دخلاً قدره 6 ملايين ريال يمني (12 ألف دولار)، فطلب منتجهن إلى محافظات أخرى.
منتجات نازحة
تعمل منال محمد (25 سنة)، نازحة من محافظة الحديدة إلى صنعاء، في صناعة البخور والعطورات منذ عام، بعدما تعلمت ذلك في دورات تدريبية ضمن برنامج تأهيل الأسر المنتجة، الذي يقدمه مركز إعداد القيادات الشابة في صنعاء، فيما تعمل أمها في مجال الخياطة.
قدّمت رقية ورفيقاتها وهن 8، بينهن أربع طالبات جامعيات، 42 طلبية خلال شهرين فقط، وحققن دخلاً قدره 6 ملايين ريال يمني (12 ألف دولار)، فطلب منتجهن إلى محافظات أخرى.
تقول لـ”درج”: “وصلنا إلى صنعاء وبحثنا عن شقة للإيجار، وعندما وجدناها كان سعرها مبالغاً فيه، ولم نجد من يسجلنا كنازحين لدى المنظمة، فكانت معاناتنا كبيرة، بخاصة أن أخي الذي يعمل على دراجة نارية لم يستطع توفير مصروفنا اليومي”. وتضيف: “الظروف القاسية، وطبيعة النزوح أجبرتنا على البحث عن عمل يساعدنا للبقاء”.
تصنع منال البخور العدني والعرائسي وعطورات تلصق عليها اسماء ماركات عالمية وعطورات تحمل اسم “المنال”، وتبيعها بأسعار لا تتجاوز 1500 ريال يمني (ثلاثة دولارات)، وتوزعها على عدد من محلات بيع العطور، وهي في طريقها إلى فتح محلها الخاص.
نشاط إنتاجي
في الآونة الأخيرة، نشط في صنعاء عدد من المراكز التدريبية في مجال تدريب المرأة وتأهيلها، لتكون عنصراً فعالاً في المجتمع الذي أصبح رجاله إما مقاتلين أو موظفين لا يتقاضون مرتباتهم، أو منهمكين في مضغ أغصان القات (شجرة منشطة يتناولها اليمنيون) وتبادل حديث السياسة وترقب انتهاء الحرب.
من بين تلك المراكز، “التمكين المهني للمرأة وتنمية قدراتها” شمال صنعاء الذي أنشأته تغريد المقدم (24 سنة)، بتمويل من منظمة “أسهم” التنموية عام 2017. و”يشهد المركز إقبالاً كبيراً من فتيات تتراوح أعمارهن بين 16 و30 سنة”، كما توضح تغريد لـ”درج”.
وبحسب المقدم فإن المركز يقدم “دورات في صناعة الإكسسوار والبخور والخياطة والحرف والأشغال اليدوية وحتى الإسعافات الأولية وتحفيظ القرآن، وبأسعار رمزية” لتشجيع النساء على العمل والاعتماد على النفس وتمكينهن.
نشط في صنعاء عدد من المراكز التدريبية في مجال تدريب المرأة وتأهيلها، لتكون عنصراً فعالاً في المجتمع الذي أصبح رجاله إما مقاتلين أو موظفين لا يتقاضون مرتباتهم، أو منهمكين في مضغ أغصان القات
نشط في صنعاء عدد من المراكز التدريبية في مجال تدريب المرأة وتأهيلها، لتكون عنصراً فعالاً في المجتمع الذي أصبح رجاله إما مقاتلين أو موظفين لا يتقاضون مرتباتهم، أو منهمكين في مضغ أغصان القات
يقدم المعرض دعماً على هيئة “تأهيل وتدريب بشكل مجاني للأسر الراغبة في الإنتاج، إلى جانب الترويج للمصنوعات مقابل 10 في المئة للفتاة التي تقوم بالترويج، كما عمل على توفير مساحة مجانية للأسر لعرض منتجاتها ووفر الكهرباء والماء”، بحسب مسؤولته الإدارية يسرى معيض، التي أكدت لـ”درج” أن المنتجات المتوفرة في المعرض تتنوع بين “حلويات ومعجنات ومخللات وبسكويت وصناعات يدوية ومطرزات وملبوسات أطفال ونساء وفخار وبخور وعطور واكسسوار ورسوم وزينة منزلية وغير ذلك الكثير”.
وأضافت يسرى أن “هذا الدعم يأتي ليعيد للمرأة ثقتها بنفسها بعدما جعلتها الحرب تخشى أن تصبح أرملة أو نازحة بلا مأوى، ومن أجل الوقوف بقوة بجانب الرجل بدلاً من انتظار السلة الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة مرة في الشهر، والتي قد لا تفي بالغرض”.
وفي اليمن، “يعيش 8 ملايين يمني منذ 2015 على السلة الغذائية فيما يحتاج 14 مليون مواطن إلى مساعدات عاجلة وتهدد المجاعة ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليوناً”، بحسب تصريحات الأمم المتحدة.
تحديات امرأة ضد الحرب
وعلى رغم العوائق المجتمعية التي وقفت أمام المرأة اليمنية في مختلف الأزمنة، إلا أن التاريخ لم يتجاهل دورها النضالي، ليس من أجل البقاء فحسب، بل في الدفاع عن حقها وإثبات مكانتها ووصولها إلى سدة الحكم كما حصل في عهد ملكة سبأ والملكة بلقيس وأروى بنت أحمد الصليحي.
تقول فوزية الحميضة من “اتحاد نساء اليمن”، إن “المرأة اليمنية استطاعت أن تخطو بخطى ثابتة نحو تحقيق التمكين الاقتصادي والسياسي ومحو الأمية وهي أهداف يضعها الاتحاد نصب عينيه”. وتضيف لـ”درج”: “المرأة اليوم قادرة على الاعتماد على نفسها وتحقيق الاكتفاء الذاتي بعدما قطعت هذا الشوط الكبير في بناء ذاتها، في ظل الظروف القاسية التي خلفتها الحرب، وما نتج عنها من تفكك أسري ونزوح ومجاعة وبطالة”.
وإذا ما تمكنت المشرقي من فتح معملها الخاص، فإنها ستعمل على توفير فرص عمل لفتيات من خارج أسرتها إلى جانب 12 فتاة يعملن معها اليوم. وهي بما تحققه من عائد مالي، تدخر مبلغاً لإنشاء المعمل، وإن كانت مبيعاتها متوسطة وتعتمد بشكل أساسي على بعض الطلبات في الأعراس والطلبات الخاصة لحفلات التخرج.
تقول: “نحن بحاجة إلى من يتبنى مشروعنا لفتح مصنع أو معمل لصناعة الشوكولا، لنستطيع منافسة المنتج الخارجي، وإيجاد فرص عمل لعدد من الأشخاص، ولفت أنظار الناس إلى الإنتاجات المحلية التي لا تقل جمالاً وروعة عن المنتجات الخارجية”.
“المرأة اليمنية استطاعت أن تخطو بخطى ثابتة نحو تحقيق التمكين الاقتصادي والسياسي ومحو الأمية وهي أهداف يضعها الاتحاد نصب عينيه”.
وتردف: “نحن وجدنا من يساعدنا بتوفير المكان والكهرباء والتسويق فقررنا أن نساعد غيرنا بالأسعار المقبولة، وهو ما دفع كثيرين إلى تفضيل المنتج المحلي على المستورد، وهذا مؤشر على أننا نسير نحو تحقيق أحلامنا”.
ومع انشغال الأطراف اليمنية بالحرب التي طال انتظار نهايتها، فإن الخطر الأكبر الذي يلوح في أفق هذه النماذج النسوية، هو استمرار تجاهل الجهات المعنية أعمالهن التي تحتاج إلى الرعاية والدعم، وإن على هيئة قروض، والاعتراف لهن بهذا النضال والصمود وسط حرب قاسية لا ترحم.
المصدر:” درج”