الوحدة نيوز/
انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم تونس لعضوية مجلس الأمن لمدة عامين
وتسعى تونس إلى الانضمام إلى العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي مطلع عام 2020 لمدة عامين. وهذه هي المرة الرابعة التي تلتحق فيها تونس بالمجلس بعد أعوام 1959-1960 و1980-1981 و2000-2001، ممثلة عن المجموعة الأفريقية.
أثناء جولة وزير الخارجية التونسي السيد خميس الجهيناوي، في المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك لحشد الدعم للملف التونسي، تحدث لأخبار الأمم المتحدة عن أهم عناصر أجندة تونس عند الالتحاق بالمجلس. السيد الجهيناوي أشار إلى حصول تونس على الدعم العربي والأفريقي اللازم، قائلا إن “تونس ستكون صوت هاتين المجموعتين عند الالتحاق بمجلس الأمن. وللأسف أغلب المشاكل والنزاعات المطروحة اليوم تحدث إما في أفريقيا أو في العالم العربي.”
وأضاف السيد الجهيناوي أن تونس عملت على مدى ستين عاما بصورة دائمة لإعلاء مفاهيم الحوار والتواصل والحلول السلمية للقضايا، منوها إلى أن “القضية الفلسطينية هي محور النزاع في الشرق الأوسط اليوم، وبدون إيجاد حل لها يـُمكّن الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية في إقامة دولته المستقلة على أراضيه، فلا يمكن أن نساعد على حل القضايا الأخرى الطارئة، مثل اليمن وسوريا وليبيا”.
وبالتطرق إلى الشأن الليبي، أشار الوزير التونسي إلى أن بلاده هي الوحيدة من دول الجوار التي أبقت حدودها مفتوحة مع ليبيا، مؤكدا أنه “ما من حل عسكري في ليبيا، فما يجمع بين الليبيين أكثر بكثير مما يفرقهم،” حسب تعبيره.
وقال “لا بد لليبيين من العودة إلى صوت العقل وأن يجتمعوا، مهما كانت خلافاتهم وتوجهاتهم، حول مائدة المفاوضات لإيجاد حل،” مضيفا أن الليبيين سيواصلون العيش مع بعضهم “ولكن الأهم اليوم هو الحفاظ على وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها ورفع المعاناة عن الشعب الليبي”.
مصطفى الجمل من أخبار الأمم المتحدة التقى خميس الجهيناوي وزير خارجية تونس وأجرى معه الحوار التالي.
أخبار الأمم المتحدة: تونس تسعى إلى الانضمام إلى مجلس الأمن الدولي مطلع العام المقبل، بصفتها دولة غير دائمة العضوية في المجلس، ما القضايا التي ستمثل الأهمية الأكبر بالنسبة لتونس على مدى عامين هي مدة عضويتها في المجلس؟
خميس الجهيناوي: هذه ليست المرة الأولى التي تنضم فيها تونس إلى مجلس الأمن، ستكون هذه هي المرة الرابعة. وبالتالي لنا تجربة في هذه المهمة. تونس حظيت بدعم المجموعتين الأفريقية والعربية، وستكون صوت هاتين المجموعتين عندما نلتحق بمجلس الأمن. وللأسف أغلب المشاكل والنزاعات المطروحة اليوم تحدث إما في أفريقيا أو في العالم العربي. وبالتالي نحن على بينة بأهمية دور تونس كصوت للمجموعة العربية والقضايا العربية المطروحة اليوم على الساحة العربية، فمنذ بضعة أيام عقدت جامعة الدول العربية اجتماع قمة في تونس. وبالتالي نذهب إلى مجلس الأمن ونحن محملون بمسؤولية في سبيل دعم وتعزيز تحقيق تقدم في هذه القضايا المعروفة على الساحة العربية.
كذلك نحن دولة أفريقية وسنكون صوت أفريقيا، بطبيعة الحال، التي حظينا بدعمها حتى نتولى الدفاع عن القضايا الأفريقية داخل مجلس الأمن.
أخبار الأمم المتحدة: ما خطة تونس لتحقيق تقدم ملموس على صعيد القضايا التي لم تشهد تقدما منذ أمد طويل في مجلس الأمن؟
خميس الجهيناوي: هناك مبادئ أساسية للسياسة الخارجية التونسية منذ 60 عاما، فقد عملت تونس بصفة دائمة على إعلاء مفاهيم الحوار والتواصل والحلول السلمية للقضايا. على سبيل المثال القضية الفلسطينية هي اليوم محور النزاع في الشرق الأوسط وبدون إيجاد حل للقضية الفلسطينية يُمكّن الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية في إقامة دولته المستقلة على أراضيه، لا يمكن أن نساعد على حل القضايا الأخرى الطارئة للأسف، مثل قضية اليمن والنزاع في سوريا وفي ليبيا والقضايا الأخرى التي طرأت بعد عام 2011. ولكن لا بد للمجموعة الدولية أن تستعيد الاهتمام بالقضية الفلسطينية لأنها هي القضية الأم وكل هذه القضايا انطلقت بصفة أو بأخرى بسبب عدم إيجاد حل عادل لهذه القضية.
أخبار الأمم المتحدة: توجه انتقادات إلى أعضاء المجلس بسبب عدم التوافق بينهم حول القضايا المهمة. كيف ستتغلب تونس على تلك العقبة إذا التحقت بالمجلس؟
خميس الجهيناوي: نحن ندخل إلى مجلس الأمن ونحن واقعيون، فلدينا دراية ومعرفة بالمشهد السياسي الدولي وكيف تحول هذا المشهد بصفة دراماتيكية خلال السنوات الأخيرة. ولكن نحن أيضا على يقين من أن هناك ضرورة لعقلنة العلاقات الدولية، وضرورة لإعلاء المبادئ الأساسية التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة، وهي احترام القانون وفض النزاعات بالطرق السلمية والتوافق لإيجاد الحلول. نعتقد أن هذا هو صوت تونس، الذي هو صوت الاعتدال وصوت العمل بصفة منهجية لإيجاد حلول براغماتيكية (عملية) للقضايا المطروحة.
أخبار الأمم المتحدة: فيما يتعلق بالوضع في ليبيا المجاورة، كيف ترون ما يدور هناك، وكيف يمكن أن تساعد تونس في التوصل إلى حل سياسي سلمي للأزمة في ليبيا؟
خميس الجهيناوي: عبـّرنا عن ذلك من خلال بيانين صدرا منذ اندلاع العمليات العسكرية الأخيرة، ونحن نأسف كثيرا لهذه الطوارئ على الساحة الليبية، وقد شعرنا بالأمل عندما كان الفرقاء الليبيون متوجهين إلى مؤتمر وطني جامع يمكّنهم من الدراسة والنظر في المسائل التي تفرق بينهم بطرق سلمية.
فجأة اكتشفنا أنه كان هناك توجه نحو الحل العسكري. نحن على يقين من أنه ليس هناك حل عسكري في ليبيا. ما يجمع الليبيين أكثر بكثير مما يفرقهم، فهو شعب منسجم وتاريخه واحد ومنسجم، وما يجمعه أكثر بكثير مما يفرقه، ولا بد من أن يرجع صوت العقل ويجتمع الليبيون، مهما كانت الخلافات والتوجهات، حول مائدة المفاوضات ويجدوا حلا لتلك المسائل.
الليبيون سيواصلون العيش مع بعضهم، ولكن الأهم اليوم هو المحافظة على وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها وبشكل خاص رفع المعاناة عن الشعب الليبي. لأن الضحية في النهاية هو الشعب الليبي المسكين. هذا الشعب هو الذي يتحمل التبعات بدون أن يشارك فيها. ونأمل من المبعوث الخاص (للأمين العام) غسان سلامة أن يواصل مساعيه. والأمين العام للأمم المتحدة كان في ليبيا منذ بضعة أيام وأكد على ضرورة الالتزام بالحل السلمي التفاوضي التوافقي الليبي – الليبي حتى يتمكن الليبيون من الخروج من الأزمة.
تونس دولة جارة لها علاقات وطيدة مع ليبيا، وأمن ليبيا هو من أمن تونس، واستقرارها من استقرار تونس، بالتالي لنا مصلحة وطنية أكيدة في مساعدة الأشقاء الليبيين للخروج من أزمتهم. وفي هذا الإطار قام رئيس الجمهورية بمبادرة منذ عام 2017، مع الجزائر ومصر، للتحدث بصوت واحد لليبيين ونقول ما قلته الآن بمعنى أنه ليس هناك حل آخر وليس هناك حل عسكري أو حل يقوم به الأجانب ولا يقوم به الليبيون. فالليبيون أنفسهم لا بد أن يتولوا مشاكلهم بأنفسهم ويجدوا حلا لقضيتهم.
أخبار الأمم المتحدة: ماذا عن دعم تونس لجهود جمع الليبيين معا حول طاولة المفاوضات؟
خميس الجهيناوي: تونس هي البلد الجار الوحيد لليبيا الذي ترك حدوده مفتوحة، حيث يبلغ عدد الليبيين الذين يزورون تونس يوميا ما بين خمسة وستة آلاف، يتقابلون ويتفاوضون ونحن نقدم لهم كل المساحة ليتمكنوا من التفاهم فيما بينهم ويجدوا حلا توافقيا فيما بينهم. ونحن بطبيعة الحال نمد يد المساعدة ونحاول أن ندفع نحو الحل السلمي، ولكن أيضا لا نريد أن نحل محل الليبيين أنفسهم، ما نقوم به فقط هو تشجيعهم ودفعهم نحو الحل.
أخبار الأمم المتحدة: كيف يمكن لتونس أن تستخدم عضويتها في مجلس الأمن للدفع بحلول إنسانية وأخلاقية لأزمة المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا؟
خميس الجهيناوي: أولا الهجرة هي ظاهرة إنسانية بدأت منذ بداية الإنسان وهناك دول كبيرة الآن تكونت نتيجة للهجرة، فالهجرة هي ظاهرة طبيعية ستتواصل ما دامت الإنسانية متواصلة. ولكن الأهم من هذا هو كيفية معالجة ظاهرة الهجرة كي نتمكن من الحد قدر الإمكان من الهجرة غير المنظمة، ونعمل سويا لندفع نحو الهجرة الشرعية التوافقية بين الدول التي تستقبل هؤلاء المهاجرين والدول التي يخرج منها المهاجرون.
ولكن لا أعتقد أن الحل هو إغلاق الحدود ورفض الآخر. هذا ليس حلا. الحل هو أن تقوم المجموعة الدولية سواء هنا في الأمم المتحدة وكذلك في الأطر الدولية الأخرى بالنظر إلى الهجرة كظاهرة إيجابية وليس كظاهرة سلبية، حيث تثري الهجرة الشعوب والتواصل بين المجتمعات وتخلق أرضية لمزيد من الأمن والسلام في العالم.
أخبار الأمم المتحدة: كيف ترون نتائج القمة العربية التي انعقدت في تونس نهاية الشهر الماضي؟
خميس الجهيناوي: كانت النتائج إيجابية جدا. بداية كان مستوى الحضور متميزا، فالقادة العرب لم يجتمعوا منذ سنوات في ذلك الحضور المتميز، وهذا يعتبر تقديرا لتونس ولرئيس تونس وللدور الذي تقوم به تونس على الساحة العربية، وتقديرا لصوت تونس وتحليلها ورؤيتها حول هذه القضايا. وبطبيعة الحال كان هناك العديد من القرارات التي اتخذت في القمة، كما كان هناك إعلان تونس الذي يتضمن 17 بندا تناولنا فيه جميع القضايا التي تهم الساحة العربية اليوم.
العمل اليوم هو كيف نتابع هذا الإعلان حتى ندفع نحو مزيد من العمل العربي المشترك وندخل المزيد من النجاعة نحو هذا العمل العربي المشترك ونتقدم في حلحلة القضايا المطروحة على الساحة، وهي النزاعات في سوريا واليمن وليبيا. وهذا مهم جدا كون تونس رئيسة دورية للقمة العربية وستعمل بمعية وتنسيق مع أشقائها حتى ندفع في سبيل تنفيذ هذه القرارات.
أخبار الأمم المتحدة: ما الذي جعل مخرجات الربيع العربي في تونس تختلف عن غيرها من البلدان العربية الأخرى؟
خميس الجهيناوي: الربيع العربي هذا ليس مفهوما عربيا، بل هو مفهوم جاء به الإعلام الغربي. ما وقع كما يقول الرئيس الباجي قائد السبسي هو بداية ربيع في تونس، وذلك لأسباب بسيطة جدا، لأن كل مقومات الربيع كانت موجودة. كان هناك مجتمع وسطي ومجتمع مثقف بنسبة عالية، ودور المرأة المتمكنة وهو دور موجود منذ ستين عاما ونواصل دعمه وتعزيزه، وبالتالي تونس كانت متهيئة لتغيير سياسي.
ولكن هذا النموذج التونسي والذي يعتبر نموذجا محليا، ليس للتصدير. اليوم (حققنا ذلك) في تونس نظرا لإرثنا التاريخي والإصلاحات الكبرى التي قمنا بها منذ ستين سنة ولأهمية المجتمع المدني في تونس ودور المرأة والشباب. وهذا يعني أننا نعمل لترسيخ نظام ديمقراطي خاص بتونس، ولكن سيثبت للعالم أن العالم العربي والإسلامي يمكن أن أيضا أن يكون دولا ديمقراطية تتشارك بنفس القيم الكونية مثلها مثل أي دول ديمقراطية في العالم.