مذ تأسست جامعة الدول العربية في 22مارس1945، وهذه الجامعة التي كان يفترض بها أن تكون منظمة تعنى بالشأن العربي وتتدارك ما يتعرض له العرب من مخاطر وتحديات فرضتها عليهم القوى الدولية الاستعمارية، لكن تاريخ جامعة الدول العربية ومؤتمرات قمتها يشير ومنذ تأسيسها الى أن مسيرتها حافلة بصفحات الخيبة والعجز عن حل أي قضية واجهتها.
مؤتمر القمة العربية الأخير الذي عقد في تونس العاصمة عبر بجلاء عن عقم النظم العربية وفشلها المزمن في معالجة الأوضاع العربية المتردية على كافة الصعد ، وجاء البيان الختامي للقمة تجسيدا لتلك المسيرة الفاشلة ، فبدل أن تضع القمة تصورات فاعلة لمعالجة الازمات العربية المستفحلة في جميع الأقطار العربية دون استثناء ، جاء بيانهم تكرار لمقولات سبق للجامعة أن رددتها في قممها السابقة كما هي الببغاء المدجنة ، دون أن يفكر هؤلاء القادة بأن مشاكل وأزمات العرب تتطلب أتخاذ قرارات ملزمة التنفيذ وعدم الاكتفاء بالإشارة إليها ، فهي معروفة ومشخصة حتى من قبل بائع البصل ، وتركها تتفاقم في تأثيراتها السلبية حتى بات الوضع العربي في تراجع مستمر ينعكس بأثاره وتداعياته السلبية على الشعب العربي .
النظام السياسي العربي بقادته يبدو أنه يعيش خارج الزمن، فهم يشيرون الى الخلل دون أن يجرأ أحدهم على طرح مشروع جدي للمعالجة، وكأن قممهم هذه غرضها الأساس رفع العتب ليس إلا.
فيما يخص الوضع في اليمن أورد البيان الختامي للقمة فقرة خجولة لا تشبع من جوع، يبدو أنها وضعت على استحياء فرضتها متطلبات شكلية وهم بصدد استعراض الأوضاع في الأقطار العربية دون أن يغوص البيان في تناول الأوضاع المأساوية التي وصل إليها شعبنا اليمني، هذا الوضع الذي طال كل فرد يمني على هذه الأرض المباركة، يهدده في معيشته وحياته وأمنه ويغيب فرص مستقبله بالكامل.
أما الأعضاء الأغنياء في هذه القمة، فأنهم منشغلون بترفهم وسفههم المالي الذي فاق كل تصور، وفقدوا أحساهم بألم ومعاناة شعوبهم، بل أنهم يتراكضون لا رضاء من رسم لهم الطريق، تلك القوى الكبرى التي تتحكم في قراراتهم، وهم بذلك مجرد موظفين من الدرجة الثانية قبل أن يكونوا قادة لشعوبهم يمتلكون جرأة وحرية اتخاذ القرار.
من يقرأ البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة يجده نسخة مكررة مملة من بيانات القمم السابقة، وهو تكرار واجترار يمثل أدانة صريحة للنظام الرسمي السياسي العربي، حتى بات حضور ومشاركة الأعضاء مجرد حدث بروتوكولي مجرد لا يتطلب التفكير الجدي في البحث عن سبل عملية للمعالجة، والادهى والامر، أن البعض منهم يغط في نوم هانئ عميق أثناء جلسات المؤتمر، ربما أدراكا منهم أن هذه مجرد مناسبة للقاء وتبويس اللحى، واستعراض خلافاتهم أن تطلب الامر.
جامعة الدول العربية هذه ، والتي جاءت أساسا من فكرة طرحها وزير خارجية بريطانيا أنداك ( أنتوني أيدن ) عام 1943 لقطع الطريق على العرب لأنضاج فكرة وحدة العرب ، إجهاضا لأي مشروع وحدوي عربي جاد يجمع الامة في كيان سياسي يلبي طموحات العرب في التوحد والاستقلال ، وهي بهذا البناء العاجز والهش تحولت إلى أداة معيقة للمعالجة الجادة ، وعجزت حتى عن الاستفادة من التجارب الدولية الراهنة في صياغة منظومة رصينة تحقق للإنسان العربي الحد المقبول من العيش بكرامة وتجسد إنسانيته ، الشعوب الاوربية وقادتها على سبيل المثال ، ورغم أنهم من أصول مختلفة ولغات وأثنيات متعددة ، رغم هذا نجحت في بناء أتحادها الأوربي وأذابت الحدود السياسية بين دول الاتحاد لتتحول الى مجرد حدود إدارية يتجاوزها المواطن الأوربي دون عائق أو سؤال ، في حين العرب أمة تجمعهم لغة واحدة ومصالح مشتركة وأصل واحد منبعه يمننا العريق الذي لم يحظى إلا بفقرة مخجلة في بيان القمة الأخيرة ، دون التطرق الى ما نعيشه اليوم من أوضاع فاقت في أذاها كل تصور .
اليكم، أيها النائمون في القمة، العاجزون، الغافلون، أن يمننا رغم معاناته المريرة سوف يبقى عصيا على أعدائه رغم جراحاته وقسوة ولؤم ذوي القربى .