كشفت الجريمة الإرهابية التي أرتكبها المتطرف الأسترالي “بيرنتون تارانت” ، بدم بارد على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش وراح ضحيتها خمسين مسلماً وعشرات المصابين أثناء صلاة الجمعة ، حجم الكراهية الممنهجة والحقد المبرمج والتعبئة الخاطئة لقوى خفية تقود اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ونيوزلندا وامريكا وكافة دول أوروبا الى الهاوية.
ورغم المجزرة المروعة والصدمة الكبيرة والدماء البريئة والجراح المؤلمة والحزن بلاحدود ، إلا ان الحكومة النيوزلندية برئاسة المرأة العظيمة ” جاسيندا آردرت” ، كانت أكثر توازناً وشعوراً بالمسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية واستلهام الضمير في معالجة الحدث البشع الذي هز نيوزلندا والرأي العام الدولي ، وهو ما نفتقد اليه من معالجات في محيطنا العربي والإسلامي.
حيث سارعت رئيسة الحكومة الى السيطرة على توازنها والتزام الهدوء والتهدئة وامتصاص حالات الغضب وافشال واطفاء الكثير من السنة اللهب التي كانت تريد ان تُشعل المجتمع ، كما ان ادانتها للجريمة واتخاذ عدد من الإجراءات الحازمة وفقاً للقوانين وقيم المساواة والعدالة والحرية والديمقراطية قد اخمد نار الفتنة وفوت على المتربصين بإمن نيوزلندا والحاقدين على الإسلام والمسلمين الفرصة ، وادى الى تصحيح الرؤية المغلوطة عن المسلمين الذي تسبب فيها الاعلام الدولي ، ماعزز من تماسك المجتمع النيوزلندي بكل شرائحة والثقة بحكومته وسلطاته الحازمة .
وبعيداً عن المجاملة ، فإن حضور حكومة نيوزلندا برئاسة جاسيندا آردرت صلاة الجمعة المقامة في مسجد النور أحد المسجدين الذين تعرضا للجريمة الإرهابية ومشاركة آلاف المواطنين الصلاة والوقوف دقيقتين حداداً على أرواح الضحايا ، ورفع الاذان ، وجمع التبرعات لأسر الضحايا كان عند مستوى الحدث وبعث رسالة إنسانية صادقة تحمل معاني الوفاء والعدالة والطمأنينة في نفوس المصابين وأهالي الضحايا وعكست صورة حضارية وانسانية راقية قل ما نجدها في الكثير من الحكومات التي تُسهب في التغني بحقوق الانسان ولكنها في حقيقة الامر تمارس أبشع المذابح والعبودية بدعمها لليمين المتطرف في أوروبا وامريكا ضد العرب والمسلمين ، دون ان تعي ان تلك الكراهية سيدفع ثمنها الغرب مستقبلاً كما دفعناها نحن العرب ضريبة كبيرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والايزيديين بدعم القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام الذين يعتبران وجهان لعملة واحدة مع اليمين المتطرف في أوروبا.
وكان للإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة النيوزلندية من سحب الأسلحة لدى كل شخص وإعطاء مهلة لكل من يملك قطعة سلاح لتسليمها للدولة مقابل ثمنها والتهديد بالحبس والغرامة المالية لعدم المتجاوبين، قد ساهم في الحد من الجريمة وتهديد امن واستقرار نيوزلندا والمجتمع.
ومن المشاهد الإيجابية والصور الجميلة والجليلة ، التضامن الإنساني الذي بدد مشاهد الحزن والالم والخوف ، ارتداء رئيسة الوزراء والعديد من النساء والمذيعات في عدد من القنوات الفضائية وغيرها الحجاب في محاولة لإضفاء الأمان والسعادة وتماسك وتعاضد المجتمع ، ووضع الزهور امام المسجد ” مسرح الجريمة ” والتقاط الصور التذكارية ، وتوقف الاستراليون في مطار سدني دقيقة حداد ، ورفع الاذان وسط لندن ، واريزونا الامريكية،،،.
مشاهد مؤثرة أدمتنا واحرقت قلوبنا وشلت تفكيرنا ، ومشاهد إنسانية ومعالجات مسؤولة أثلجت صدورنا وأخرى مازال داعش والقاعدة والنصرة وأخواتهما يرتكبها في محيطنا العربي وعالمنا الإسلامي وأوروبا بمباركة أمريكية وإسرائيلية وبريطانية ودعم قطري وسعودي ورعاية تركية ، لتنفيذ أجندات مشبوهة ومصالح غير مشروعة حولت البعض الى ذئاب بشرية تهدف الى زعزعة أمن واستقرار العالم تحت عباءة الدين والمذاهب والعرق الأبيض والأسود والسلالة .
فهل آن الأوان الى صناعة ثقافة المحبة والتسامح والتعايش والتكافل والتراحم والتنمية والبناء والإنسانية ، بدلاً من صناعة الكراهية .. املنا كبير.
أخيراً .. رحم الله الضحايا والشفاء للمصابين والصبر للأهالي المكلومين والشكر لرئيسة الحكومة والشعب النيوزلندي والاوربي وكل من تضامن وتعاطف مع الشهداء بالكلمة وشارك وندد واستنكر الجريمة الإرهابية وآمن بقيم التسامح والتعايش والاخوة والحرية والعدالة والسلام.