عندما انتهت سنوات الحرب العالمية الثانية، برزت الحاجة الماسة لإعادة بناء ما دمرته الحرب، حيث طال التخريب أغلب المدن الاوربية، حتى أن البعض من تلك المدن قد دُمر بالكامل، حينها ظهر مصطلح (التنمية)، المصطلح أذا أرتبط بمعالجة مخلفات الحروب وما تتركه من خراب على المستويات كافة، وتزداد أهمية التنمية وضروراتها في بلدان العالم الثالث لمعالجة وضعها المتردي أصلا على كافة المستويات.
اليمن اليوم يتعرض الى حصار وحرب قاسية طالت بأذاها كافة شرائح المجتمع اليمني، إضافة الى تدمير أغلب مرافقه الصناعية جراء هذه الحرب، لكن التنمية الغائبة في اليمن تواجه إضافة الى ما تقدم، مشكلات ومعوقات عديدة تمثل كوابح تعيق مناهج التنمية أن وجدت، فانتشار الامية وانخفاض مستوى التعليم، بمراحله المختلفة، يشكل أحد معوقات تنفيذ برامج تنموية طموحة، لذلك فأن المدخل السليم يتطلب البدء بأعاده النظر في فلسفة التعليم من الأساس بحيث تؤدي مخرجاتها بما يخدم المشروع التنموي.
كذلك معالجة العادات المرتبطة بنمط الانفاق الاستهلاكي غير المجدي، فالمعدلات العالية للاستهلاك اليومي للقات التي أصبحت عادة اجتماعية واسعة الانتشار، يؤدي بدوره إلى نتائج سلبية خطيرة على الاسرة والمجتمع، ثم أن انتشار ثقافة (العيب) التي تمنع الكثير من الاشتغال ببعض المهن المنتجة تساهم بدورها في تقليص تعظيم القدرات الإنتاجية.
أن المعوقات التي تواجه بناء خطة تنموية في اليمن تتطلب دراسة معمقة لمشكلات المجتمع، ليس أولها موضوع أنشار البطالة، خاصة بين الفئات العمرية القادرة على العمل، فهذه الفئة معطلة عمليا بتقلص الفرص، مما يعني في المحصلة أهدار طاقات بشرية هامة تمثل في الحقيقة القوة الرئيسية للإنتاج وتعظيم الثروة، وهذا يرتبط بدوره بضعف البناء الصناعي وغياب بنية تحتية صناعية قادرة على استيعاب قوة العمل لهذه الفئة العمرية.
الملاحظ أن اليمن لم يشهد محاولات جادة لخلق مصادر جديدة للثروة عندما لم يلجأ الى سلوكيات رسمية تهدف الى الاستخدام الأمثل للموارد ، فاليمن يتوافر على مصادر طبيعية كبيرة ،غالبا ما تعرضت هذه المصادر الى التصرف غير المناسب لناحية الكيفية في استخدامها بالشكل الأمثل ، ولعل إحداها على سبيل المثال لا الحصر ، فشل السلطات المتعاقبة في بناء منظومة متكاملة لاستثمار الثروة السمكية ،فاليمن يمتلك سواحل طويلة على البحر العربي والبحر الأحمر ، غنية بأسماكها ذات النوعية عالية الجودة والمعرضة الان لعمليات نهب واسعة النطاق من الشركات العالمية العاملة في هذا المجال .
أننا عندما نتحدث ونشير الى أبرز المعوقات الاجتماعية، ندرك أيضا أن هناك معوقات سياسية وإدارية مضافة تساهم في غياب الرؤية التنموية النابعة من حاجات المجتمع نفسه، فنحن عمليا نواجه مشكلة مركبة تتشارك فيها المعوقات الاجتماعية مع غياب الادراك الحكومي للمشكلة ذاتها.
أن بناء خطة تنموية ناجحة تتطلب أولا دراسة المعوقات المحتملة ومن ثم وضع الخطط لمعالجتها قبل الشروع في العملية التنموية، ذلك أن الخطط، خاصة منها ما يتعلق بالإنسان، ومهما كانت دقتها نظريا لابد وأن تواجه الفشل المحتم فيما أذا تجاهلت محركات المجتمع نفسه وأدراك خصوصياته ما دامت التنمية أساسا موجه للإنسان الفرد والمجتمع على العموم.