حين ظهرت جماعة الحوثي وهي تدافع عن حقها في التعبير، وتذود عن قائدها الشهيد، تمظهرت كحركة مظلومة ومستضعفة يتعرض كل من معها للتنكيل السلطوي، الذي ابتدأ باعتقال كل من “يصرخ” أو “يكبر”، ويهتف بالشعار المعروف للحركة في صنعاء أو صعدة، ثم تطور الأمر إلى شن حرب غير مشروعة على “مران” في محافظة صعدة، انتهت بمقتل السيد حسين الحوثي والعشرات من أنصاره في حادثة “كربلائية” ضج لها الأحرار في مختلف أرجاء اليمن، على محدوديتهم آنذاك.
وعلى مدى الستة الحروب التالية، تشكل ما يمكن تسميته القوة الناعمة لأنصار الله الحوثيين، فتلك الجماعة المقاتلة، امتازت بالثبات على المبدأ، رغم هول ما لاقاه شبابها من تشريد في الجبال وتعذيب في المعتقلات، ومن تنكيل وقتل تحت حرب ضروس غير متكافئة، إلا أن صمود الرعيل الأول من الجماعة في مختلف ساحات المواجهة، كانه له الأثر الكبير باتجاه التعاطف مع الجماعة، ثم الانضمام إليها، حتى حصدت الانتصار الأهم في 2011، بانضمام شبابها للحركة الشعبية وسيطرتها على مدينة ومحافظة صعدة.
نزل المجاهدون من الجبال، فضربوا أنموذجا للتسامح مع مجتمع صعدة، ثم سرعان ما استتب الأمن في المحافظة، وراجت الأخبار في أصقاع اليمن عن حكمة وشجاعة القائد الجديد عبدالملك الحوثي، وعن أخلاق المجاهدين معه ومن حوله الذين اشتهروا بالإيمان والتواضع، وغيرها من الصفات الحميدة التي شكلت عامل جذب وقوة مضافة منحت الجماعة فرصة الانتشار في عدة محافظات يمنية.
مؤتمر الحوار الوطني هو الآخر شكل منعطفا مهما في تاريخ الحركة، التي أعلنت عن نفسها تحت مسمى “أنصار الله”، وكان لممثليها في الحوار أدوار ومواقف سياسية خطفت الأضواء. وبشرت الرؤى والأفكار التي طرحتها الحركة من خلال ممثلها الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين، عن تنظيم سياسي يمكنه أن يكون شريكا فاعلا في بناء الدولة المدنية التي يتطلع إليها غالبية الشعب اليمني.
التفت الجماهير حول الحركة وقائدها ومجاهديها، ما مكنها من الانتصار السريع والمدوي في حرب سابعة شنها نظام الشراكة على صعدة. ولم تتوقف مفاعيل الانتصار إلا في صنعاء التي فتحت حضنها للقادم الجديد، مستبشرة بتحول كبير يقوم على العدالة والنزاهة والشراكة الوطنية واحترام سيادة ووحدة البلاد، وما إلى ذلك من عناوين براقة.
وفي مواجهة العدوان السعودي الأمريكي سطر أنصار الله والقوى الوطنية ملحمة تاريخية من الصمود والتحدي، حظيت باحترام واعتراف العدو قبل الصديق.
لكن إذا كان البعض من خصوم وأعداء الحركة لا يرون فيها إلا جماعة مسلحة انتصرت وسيطرت بالقوة الغاشمة لا أكثر، فإن تصرفات البعض من “أنصار الله”، وانخراطهم على نحو يفتقر للحكمة الدينية في مواجهة ما يسمى بالحرب الناعمة، قد كشف عن تيار متطرف يعمل بدأب على تشويه الحركة والسحب من رصيدها الإيجابي لدى الناس، ومحاولة تقديمها كنسخة أخرى من “طالبان” مثلاً..وهو ما لن يكون ولا ينبغي أن يكون !
Abdullah.sabry@gmail.com