جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي قال فيها “إنه لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة” كمحاولة لتبرئة بن سلمان من دم خاشقجي، كما أنها تؤكد حقيقة العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وهذا التأكيد الأمريكي لم يكن الأول من نوعه، فقد اعترف الرئيس ترامب سابقا بوجود علاقات متينة بين السعودية وإسرائيل، ففي أكتوبر الماضي قال ترامب إن السعودية حليف عظيم بالنسبة للولايات المتحدة، وأحد أكبر المستثمرين، وربما الأكبر، وساعدتنا كثيراً في دعم إسرائيل دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل وقتها بحسب موقع “كان” العبري.
ويرى مراقبون أن الرئيس الأمريكي بهذه التصريحات قد وصف بكل صراحة واقع العلاقة بين المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، مؤكدين أن تلك التصريحات موجهة بالأساس لأعضاء الكونجرس الغاضبين بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما أنها تستدعي اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لمؤازرته في محاولات تبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من دم خاشقجي.
وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شدد على أهمية بقاء المملكة العربية السعودية مستقرة في تعليقه على جريمة اغتيال خاشقجي.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن السعودية وإسرائيل دخلتا منذ عام 2014 في اتصالات غير رسمية لدعم المصالح الاستراتيجية المشتركة بينهما. فالرياض لا تعترف علانية بإقامة حوار مع شريكها الجديد، وتنفي ذلك في بعض الأحيان، لكن ذلك لم يمنع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من الاجتماع مع ممثلي المنظمات اليهودية الكبرى في مارس الماضي في واشنطن.
وأضافت لوفيغارو أن العلاقة بين إسرائيل والسعودية المحاطة بمناطق رمادية، بدت قاتمة أكثر بعد الكشف عن شراء المملكة أجهزة تجسس ومراقبة إسرائيلية من أجل مطاردة مواطنيها المعارضين والمنشقين، وقد استخدمت السلطات السعودية برامج تجسس إسرائيلية لتتبع جمال خاشقجي.
والسؤال المهم: ما الذي تقدمه السعودية لإسرائيل حاليا من خدمات والتي لولاها لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة؟ الأحداث والوقائع خلال السنوات القليلة الماضية تجيب على هذا التساؤل، تلك الاحداث كشفت عن تعاظم العلاقات بين إسرائيل والمملكة في عهد ولي العهد محمد بن سلمان.
مراقبون: تصريحات ترامب موجهة للكونجرس واللوبي الصهيوني لتبرئة بن سلمان
صفقة القرن والتطبيع
بدت ما عرف بصفقة القرن أهم أسباب ترسيخ العلاقة بين إسرائيل والسعودية في عهد بن سلمان، الذي كان بحق عراب تلك الصفقة التي أثارت الكثير من ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة، ودائماً ما وجهت إلي بن سلمان أصابع الاتهام بلعب دور مشبوه لتصفية القضية الفلسطينية. واشتهر بن سلمان، منذ توليه منصب ولي العهد، بالتصريحات المعادية للفلسطينيين، والتي كان آخرها تصريح له حول رفض الفلسطينيين صفقة القرن؛ قال فيه بحسب ما نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية: “على الفلسطينيين أن يخرسوا”، وهو ما أشعل غضباً كبيراً في الوسط العربي، واعتبره البعض تطبيعاً علنياً مع إسرائيل.
وتؤكد مصادر فلسطينية أن الرياض قدمت لـ “تل أبيب” ما لم تقدمه أي دولة عربية منذ سنوات طويلة. وأوضحت المصادر أن السعودية هي أولى الدول العربية والأجرأ التي فتحت باب التطبيع السياسي والعسكري والفني والثقافي مع دولة الاحتلال على مصراعيه بشكل علني وأمام الجميع؛ بل أنقذتها من عزلتها حين وسَّعت- من خلال ضغوطها ونفوذها- الدائرة لتلحقها بقية الدول العربية، وعلى رأسها مصر والإمارات والبحرين. وذكرت المصادر أن الرياض خلال سنوات تولي بن سلمان منصب ولي العهد قدَّمت الكثير من الخدمات السياسية المجانية لإسرائيل، ولعل أبرزها دعوات بن سلمان الصريحة للتعامل مع دولة الاحتلال كأمر واقع على الأرض، والتوجه إلى الحوار والسياسة بعيداً عن الخيارات الأخرى كالمقاومة.
ولفتت المصادر للخليج الجديد إلى أن تبني الرياض صفقة القرن، رغم إسقاطها القدس واللاجئين وحق العودة، يعد “خدمة إضافية ومجانية” قدمتها السعودية لإرضاء “إسرائيل” وإدارة الرئيس ترامب، مشيرة إلى أن السعودية “باتت شريكاً واضحاً للاحتلال في تصفية القضية الفلسطينية”. وأشارت إلى أن موقف الرياض المعادي للقضية الفلسطينية يعد مساعدة لا تقدر بثمن بالنسبة لدولة الاحتلال، التي لطالما كانت تواجه ضغطاً وتحركاً عربياً مضاداً لأي خطوة تتخذها ضد الفلسطينيين أو حقوقهم، لكن السعودية وفرت كل الأجواء، بل أعطت ضوءاً أخضر للاستفراد بالفلسطينيين، وكان ذلك واضحا حين قال بن سلمان أمام تجمع لليهود بنيويورك في شهر أبريل الماضي “إن على الفلسطينيين أن يقبلوا مقترحات السلام أو يخرسوا”.
وتابعت المصادر أنه من الخدمات والمساعدات الأخرى التي قدمها بن سلمان لإسرائيل، تهيئة البيئة السياسية والدينية لحل سياسي يتجاوز الحق التاريخي، وتغيير الخطاب الديني والإعلامي تجاه دولة الاحتلال والعلاقات معها، وكسر المحرمات، والتمهيد لإدخالها في منظومة الأمن القومي بالمنطقة. وأشارت إلى أن السعودية كذلك استخدمت المال للضغط على السلطة الفلسطينية، للقبول بصفقة القرن، التي تحولت فيها الرياض لجسر للعبور نحو إسرائيل واتساع التنسيق والتعاون معها.
التطبيع
التطبيع أحد أبرز أسباب تمسك الكيان الإسرائيلي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث توالت الاتصالات السرية بين الجانبين، وقد أشارت وسائل إعلام غربية وإسرائيلية، إلى العديد من المظاهر التي تعكس تطور العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل، ضمنها التنسيق السياسي والتعاون الأمني، وتبادل الزيارات بين المستويات التنفيذية في الجانبين. وأشار بعض الإعلام الإسرائيلي والغربي، إلى قيام مئي ردغان الرئيس الأسبق للاستخبارات الإسرائيلية الموساد، وسلفه تامير باردو، بزيارة الرياض وعقد لقاءات مع المسؤولين السعوديين، في حين تم الكشف عن زيارة قام بها لتل أبيب رئيس المخابرات السعودي الأسبق، وعقده لقاء مع المسؤولين في تل أبيب.
لوفيغارو: السعودية وإسرائيل على اتصال سري منذ 2014
وفى هذا السياق نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية عن مصادر سعودية أن “وفدًا سعوديًا قاده لواء متقاعد أجرى زيارةً إلى إسرائيل عام 2016″، وأضافت أن “القادة الإسرائيليين الكبار مُتحمِّسون لتوسيع هذا التحالف”. وأشارت التايمز إلى أن الخوف من إيران يدفع دول الخليج إلى بناء علاقات مع إسرائيل، وربطت الصحيفة بين ما حدث مؤخرا بين الخليج وقطر، والتقارب بين السعودية وإسرائيل. وانطلقت، في أواخر مايو الماضي، أول رحلة جوية مباشرة بين العاصمة السعودية الرياض ومدينة تل أبيب، وذلك عندما غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة على متن الطائرة الرئاسية متوجهًا إلى محطته الثانية إسرائيل في أولى جولاته العالمية رئيسًا للولايات المتحدة. وكان وزيرالنقل والاستخبارات يسرائيل كاتس، قد عرض مؤخرًا على “غرينبلات” ممثل الرئيس الأمريكي، خطة “سكة قطار السلام الإقليمي”، والتي تتحدث عن ربط إسرائيل بالأردن ومنها إلى السعودية عبر شبكة سكك حديد تسمح للدول العربية بمنفذ إلى البحر المتوسط.
كما أن التطبيع السعودي الاسرائيلي أخذ طابعا جديدا عندما سمحت الرياض للخطوط الهندية باستخدام أجوائها للعبور من وإلى إسرائيل؛ فى خطوة اعتبرها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل اختراقا كبيرا يبشر بقرب تسيير خطوط طيران مباشرة بين المطارات السعودية والاسرائيلية. وفى نوفمبر الماضى استيقظ العالم العربى والاسلامى على وقع فضيحة من العيار الثقيل، عندما نشر صحفى إسرائيلي يدعى “بن تزيون” مجموعة صور منها ما هو من داخل الحرم النبوي الشريف، وأخرى مع سيدات في المملكة.
وفي هذا السياق، توقع الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور، أن تكون تصريحات ترامب الأخيرة عن العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”، “مقدمة لشيء قادم يتعلق بتطبيع علني بين الرياض وتل أبيب”. وأوضح المحلل السياسي، في تصريحات خاصة لـ “الخليج أونلاين”، أن “ترامب يريد من إسرائيل أن تردَّ الدَّين للرياض على كل المساعدات التي قدمتها لها بصورة مباشرة وغير مباشرة”، مؤكداً أن الرئيس الأمريكي “يعرف استغلال الظروف جيداً لخدمة مصالحه ومصالح دولة الاحتلال”. وأضاف: “أكبر مساعدة قدَّمتها السعودية لإسرائيل؛ حين قدمت المبادرة العربية للسلام عام 2002، وكانت بمثابة حلم لم تتوقعه دولة الاحتلال، والذي حافظ على وجودها وكيانها”، مشيراً إلى أن “النهج السعودي تغيَّر، خاصة في الخطاب الديني والسياسي الذي لا يجرم إسرائيل وسلوكها تجاه شعوب المنطقة”.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نحن على توافق مع السعودية
تقسيم العالم العربي
تصريحات ترامب لم تكن زلة لسان بل كشفت فعلياً وأمام الجميع عن حجم الصداقة والتقارب بين الرياض وتل أبيب، والتي وصلت لحد المساعدات المباشرة وغير المباشرة، فلا توجد مساعدة تقدم لإسرائيل أكثر من تضييع القضية الفلسطينية وتقزيمها، وهذا ما فعلته السعودية، علاوة على تقسيمها للعالم العربي.
وربط محللون تصريحات ترامب بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مؤكدين أن ترامب “أراد من تصريحه المفاجئ أن يهول الأمور، ويحاول أن يستفيد من موقف اللوبي اليهودي بعد قتل خاشقجي، ليحافظ على صفقاته مع السعودية، والترويج لمواقف بن سلمان الداعمة لإسرائيل والتعاون معها، ليكسب الدعم الصهيوني وموقف اليمين الإسرائيلي المتطرف. وكانت الكاتبة الإسرائيلية في صحيفة “هآرتس”، تسفيا غرينفيلد، قالت في تصريح سابق لها: إن “محمد بن سلمان هو الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ 50 عاماً”، موضحة أن عزله من ولاية العهد “سيكون مدمراً لإسرائيل”، داعية إلى ضرورة تساهل المجتمع الدولي معه.
ولم تكن تغيرات الشرق الأوسط فقط في الثورات والأنظمة العربية الحاكمة، بل بتوجهات تلك الأنظمة وخروج سياساتها للعلن. ومن هذه التغيرات علاقة المملكة العربية السعودية بإسرائيل تناغما مع خط الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فالساكن الجديد في البيت الأبيض، يبدو عازماً على إنهاء الصراع في الشرق الأوسط، كما صرح أكثر من مرة. وقد عمد بعد توليه سدة الرئاسة إلى عقد قمة نادرة في الرياض، ضمت قادة وممثلين عن معظم الدول الإسلامية. ثم تبعها ترامب بزيارة إلى إسرائيل، وهدفه إنهاء الصراع التاريخي على مقياس صفقة القرن.
هذه الخطط الامريكية الجديدة تنسجم مع جهود اخرى اقليمية تقودها الرياض بدفع من السلطة الشابة في المملكة، والتي تحظى بدعم أمريكي ضخم. لكن هذا الاتجاه لم يكن جديدا، فالشواهد التاريخية تؤكد وجود اتصالات بين السعودية وإسرائيل بشكل سري، بينما المتغير الجديد أن تلك الاتصالات ظهرت إلى العلن.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسيسي، طلبا في اتصالات هاتفية، من مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية بدعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. ونقلت الصحيفة عن مصادر على علم بهذه الاتصالات، قولها إن نتنياهو وصف بن سلمان بأنه شريك استراتيجي مهم في منطقة الشرق الأوسط. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن نتنياهو أبلغ واشنطن أن ولي العهد السعودي شريك في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة”، مؤكدا دعمه له في ظل أزمة مقتل خاشقجي. وقال المحلل الإسرائيلي إيلي نيسان: “هناك علاقات غير معلنة إستراتيجية واقتصادية واستخباراتية بين السعودية وإسرائيل. حيث تتعرض الدولتان وبعض الدول السنية الأخرى للإرهاب، ولذلك سوف نشهد تقاربا أكبر في الفترات المقبلة”.
تنسيق أمني واستخباراتي بين الرياض وتل أبيب
تنسيق أمني
وكشفت تقارير صحفية عديدة عن أن الرياض تنسق مع تل أبيب على الصعيد الامني والاستخباراتي، فقد نقل موقع “إن آر جي” الإسرائيلي عن وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، المقرب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الأخير طور علاقات اسرائيل مع دول عربية، ومع السعودية بشكل خاص، التي بدأت التعاون بهدوء مع إسرائيل، خاصة في كل ما يتصل بالشؤون الأمنية والاستخباراتية المرتبطة بقضاياهم المشتركة. وأضاف الموقع أن الوزير كشف ذلك لموقع بلومبيرغ الأمريكي، موضحا أن هناك احتمالا كبيرا جدا بأن تكون لإسرائيل علاقات مع التحالف السعودي. وفي هذا السياق، قال المحلل العسكري في القناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن دافيد إن مسؤولا رفيعا جدا من المخابرات السعودية يزور إسرائيل بشكل دوري، ويجتمع بكبار المسؤولين الأمنيين.
كما أعرب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزينكوت في مقابلة مع صحيفة “إيلاف” السعودية ومقرها بريطانيا استعداد إسرائيل لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الجانب السعودي بهدف التصدي لنفوذ بعض القوى المناهضة لاسرائيل في المنطقة. وقال: “هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل والسعودية ونحن على توافق مع السعوديين.
الشرق القطرية