كل الوقائع والشواهد التاريخية تؤكد ان العصر ، عصر العلم والمعرفة ، وبتبني العلم تتساقط الايدلوجيات والنظريات وتترنح النُخب الفاسدة وتتناثر الاحزاب وتفشل المشاريع والرهانات والرؤى المشوهة والمشبوهة.
وفي غياب التربية الوطنية والسلوك الايجابي والقيم الاخلاقية ينهار الفرد وتدمر الاسرة ويتصدع المجتمع وتقوض المؤسسات وتتحول الدول المعاقة التي تبني استراتيجيتها على دغدغة عواطف الرأي العام وتزييف الوعي وتعبئة المجتمعات العربية والاسلامية بالايدلوجيا الدينية والسياسية والتحررية والاجتماعية والقومية والمذهبية ،،، الى دول فاشلة مهددة بين لحظة وآخرى للاندثار، والتاريخ القديم والمعاصر يسوق لنا الكثير من الادلة القاطعة على سقوط امبراطوريات ودول ومجتمعات عاشت في سراب الايدلوجيا الدينية ، وصعود أخرى الى قمة المجد بعد ان جعلت العلم منهجاً في كل مناحي الحياة.
وفي غياب العقل والعلم والفكر النير والضمير والاخلاق ، واطلاق العنان للانحراف والاهواء الشخصية سقطت الامبراطورية الفارسية والرومانية والفرعونية والاسلامية واليابانية والالمانية والبريطانية والاتحاد السوفيتي ، كما ترنحت الحركة الناصرية والبعث والاشتراكية والماركسية ، بعد ان دغدغة عواطف الناس بالخطاب الايدلوجي المؤثر والنظريات العبثية والاحلام الوردية والافكار المتشددة الخارجة عن العقل والمنطق والواقع الذي تقتضية مصلحة الامة ، ولم تقف عند ذلك بل زادت من توحشها وقبضتها الحديدية محولة الفرد الى عبد في خدمة الجماعة وبالاصح في خدمة الحزب ومراكز القوى كما في الانظمة الماركسية والاشتراكية التي عفى عليها الزمن ، والمجتمع في خدمة ” فرد” كما في الانظمة البرجوازية ، بينما في الاسلام السياسي أصبح الجميع عبيد لخليفة الله في ارضه او ولي الله ، الذي صادر نعمة العقل والعلم وفصل القراءن الكريم والسنة النبوية في مصلحة الحاكم والمنافع الشخصية والاساطير الاسرية متجاوزاً كل الحدود ما ادى الى خلل كبير في المجتمع العربي والاسلامي والدولي.
لقد نجحت الكثير من الدول التي تجردت عن ايدلوجيا التسويف ونظريات المزايدة بعد ان تمترست حيناً من الدهر في خندق الجهل لتكتشف ان مفاهيم التسلط والطغيان والاستبداد ولدت الكثير من الازمات والنكبات والحروب بعد ان تبنى الكهنة من علماء السلطة وقادة الأحزاب والتنظيمات والمليشيات والرؤساء والملوك والامراء الكثير من الاساطير والعادات والتقاليد والاهواء القاتلة ، وان تفعيل العقل والثورة على الجمود والعبث الفكري مكنها من الانطلاق نحو الايمان بالعلم واحياء قيم التعايش والتسامح والتكافل واحترام إنسانية الانسان لبلوغ السلام والتفرغ للبناء والتنمية وتعمير الكون ، وما المدارس والمعاهد والجامعات والمعامل والمختبرات والمستشفيات وشبكات الطرق المختلفة والحدائق الجميلة والمتاحف العظيمة والبنايات الشاهقة ومراكز الأبحاث النووية والطبية والالكترونية والفيزيائية والهندسية والعلمية والعسكرية والاتصالات والانترنت وصعود القمر ، والوصول الى أعماق البحار والمحيطات والصحارى ، إلا ” ثمرة” من ثمار عصر العلم الذي حرر العقل والفكر والانسان من عصور الانغلاق والجمود والطغيان ، بعد ان صار المعلم قدوة والاستاذ والدكتور الجامعي رمزاً للبلد وشعوب تلك الدول تتنافس في بناء المشاريع العملاقة والمنجزات الضخمة والاختراعات العظيمة خدمة لاوطانهم والبشرية ، ولنا في ماليزيا وسنغافورة واندونسيا والصين وكوريا الجنوبية خير دليل على عظمة العلم والارادة الحرة والايمان الصادق.
كم نحن اليوم بحاجة ماسة للولوج الى عصر ” العلم ” وتعمير الكون بعيداً عن تقديس الجهل وتبعية اصنام السلطة ، وكم الحكام بحاجة الى تفعيل الضمير ومراجعة النفس وتصحيح المسار وخلع قناع الايدلوجيات الفاسدة والشروع في بناء دول قاعدتها ” العلم” للنهوض بالأمة ، فالحقائق تثبت على مدار الساعة ان الايدلوجيا الدينية والسياسية والدعوة للمشاريع السلالية والمناطقية والقروية والمذهبية والعنصرية سقطت بكل ماتعنيه الكلمة في مزبلة التاريخ مهما تقوت بالسلاح والمال والدعم الخارجي ، وانه حان الوقت لرفض كل تلك المشاريع الانتهازية والفوضوية المدمرة ، للمساهمة الايجابية في رفد الحضارة الانسانية ، بدلاً من الدماء والدمار والتجزئة والنفاق والظلم والطغيان ، والقتل والاغتيال والاعتقال والفقر والتشرد والنزوح
أخيراً .. لامجال للمقارنة بين سرطان الجهل وفضل العلم ، والايمان والكفر ، والإسلام النقي والدعوات المشبوهة ، والايدلوجيات والنظريات والأفكار الساقطة التي أغوت ودمرت الامة ، ومتى ما صدقت النوايا وتوفرت الإرادة الحرة وطهرنا القلوب من النزعات الضيقة وآمنا بالعلم ورفضنا المشاريع الرخيصة سنبدأ الخطوة الأولى نحو الغد المشرق ، ولنا في باريس ولندن وطوكيو وواشنطن وموسكو وسنغافورة وماليزيا واندونيسيا ،،، آية بعد ان تحررت من الأفكار المشوهة والمذاهب الهدامة والخلافات العقيمة والثقافات السلبية والحروب العنيفة التي أدمت مئات الملايين ، ووجهت قبلتها نحو العلم والابداع والبناء ، وما تلك المنجزات العملاقة والاختراعات العظيمة والنظافة الفائقة والعقول الرشيدة وقيم التسامح والتعابش والذوق الرفيع والعلوم الانسانية ، إلا انعكاساً لعزيمة وثمرة العلم ، فهل نحن جاهزون للولوج الى عالم العلم والمعرفة مهما كانت الضريبة.. أملنا كبير.