كل الشواهد تؤكد ان الضربة الامريكية ضد ايران قاب قوسين أوأدنى ، وان سيناريو حرب الخليج الثالثة على الأبواب ، وان انفجار الخليج العربي قادم لامحالة ، واشتعال فتيل منطقة الشرق الأوسط بدأت ملامحة بعد خروج الرئيس الأمريكي أوباما من البيت البيضاوي وافتقاد سياسته الناعمة ، وصعود أسوأ وأعنف واوقح رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، الذي يدمن سياسة التوحش والابتزاز ونهب الثروات واستثمار الازمات والتلاعب بنفسية المواطن الأمريكي عبر ايقاعات الخطاب ” الشعبوي”.
هذه الرغبة الجامحة والاستراتيجية المتهورة والافراط في القوة ، ولغة التصعيد بالتمرد على الاتفاق النووي مع ايران والضغط على الاتحاد الأوربي الملتزم ببنود الاتفاق ، أدى الى ضرب ” سمعة” أمريكا بعد نقضها للمواثيق والعهود الدولية وتأزيم الوضع والحاق الخسائر الفادحة ببعض الدول والشركات والقيود على حرية البعض ما عرض السلم والامن الدوليين للخطر ، لاسيما بعد ان تم إزاحة رجل الدبلوماسية الامريكية الأكثر اتزاناً “تيرلسون “، وتعيين أحد الصقور الجارحة لوكالة الاستخبارات الامريكية بومبيو للخارجية الذي أفصح عن استراتيجية أمريكا الجديدة المتمثلة في طرح 12 شرطاً تعجيزياً على طهران تمثل قرار حرب وتحمل من الغرور والمهانة والاذلال والتحقير ما يخالف العقل والمنطق والحكمة .
هذا التطور الخطير الذي قد يعصف بمنطقة الشرق الأوسط لم يكن وليد اللحظة او بالمصادفة ، وانما هو استراتيجية تجسد صراع “مصالح” من الدرجة الأولى ، بين طهران والرياض وتل ابيب للسيطرة على الشرق الأوسط ، وتمتد جذوره منذ اندلاع الثورة الإسلامية للأمام الخميني عام 1979 م ، وحساسية تصدير الثورة ومهاجمة واعتقال رهائن سفارة أمريكا في طهران وتفجيرات المارينز في لبنان ، وتواجد ايران في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن ووصول أقدامها الى القارة السمراء ، ومواجهة ايران للعقوبات الامريكية والتكيف معها رغم آلامها حتى النخاع ، والنجاح الكبير في مشروعها النووي السلمي واستمرارها في صناعة الصواريخ الباليستية التي تجاوزت الـ 3000 كيلو ، واحلامها في صناعة رؤوس نووية والقنبلة الذرية كالأخرين.
كل هذه الاحداث والمتغيرات المرعبة على الأرض في بؤر التوتر بالشرق الأوسط ، كان للوبي الإسرائيلي والمال السعودي وطموح قادة الرياض الأثر الكبير في اتخاذ الإدارة الامريكية الجديدة عدد من القرارات الصاعقة والضغوط الشديدة الرامية الى محاولة احتواء ايران ، وتفكيك برنامجها النووي السلمي وتدمير صواريخها الباليستية ، وانسحابها من العراق وسوريا واليمن ولبنان ووقف دعم محور المقاومة الذي يرى فيه هؤلاء حقاً مشروعاً في مقاومة إسرائيل والتحرر من الهيمنة الامريكية ، بينما يراه الامريكيون ومن في فلكهم بمحور الشر والارهاب.. كل هذه المتغيرات الجديدة قد تدفع المنطقة الى حرب لاتبق ولاتذر ، تصل نارها الى كل دولة ومدينة وحي وبيت وحقل.
ولذلك فإن إصرار أمريكا على المضي نحو قرع طبول الحرب ، وصمود ايران ، وتهرب الاتحاد الأوربي وضبابية الموقف الروسي واحلام تركيا، ولعبة مجلس الامن ، فإن الأيام قادمة تحمل ثلاثة سيناريوهات ، الأول :
عسكري ، يتمثل في احداث ” صدمة” بتوجيه ضربة صاروخية أمريكية واسرائيلية قاصمة تنطلق من البحر و الجو على مواقع المشروع النووي الإيراني ، وضرب المطارات والموانئ الاستراتيجية والدفاعات الجوية والرادارات ومعسكرات الحرس الثوري الإيراني ومخازن الأسلحة ، بالتزامن مع قصف الدفاعات الجوية في سوريا المجاورة للجولان واستهداف مواقع الجيش والمليشيات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان ، دون الرجوع الى الشرعية الدولية .
الثاني: تحريض ودعم المعارضين الإيرانيين واللعب على الوتر المذهبي والطائفي والعرقي واغتيال قيادات وشخصيات رسمية وغير رسمية واستنزاف قوى الجيش والامن لإحداث شلل تام في ايران تحت عنوان اسقاط النظام والثورة يواكب ذلك تغطية مرعبة من وسائل الاعلام الدولية وفي مقدمتها الإمبراطورية الإعلامية السعودية ، وتحليلات فضائية وفتاوى تصب في تثوير الشعب الإيراني للتخلص من نظام الملالي ، وفقاً للمطابخ السياسية.
الثالث: استمرار أمريكا في الضغط على دول الاتحاد الأوربي واغرائها لكسب عامل الوقت والهائها بالمضي في خلق اتفاق جديد يقضي بتفكيك برنامج ايران النووي والباليستي ، في حالة عدم تحقيق الهدف ، ومن ثم العودة الى السيناريو الذي تم به استدراج الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عبر المسارات السياسية والدبلوماسية بإرسال أكبر الشخصيات الامريكية والدولية والعربية المؤثرة والمنظمات الإنسانية والحقوقية ، لأطلاق الرهائن والعملاء الأمريكيين وابدا نوع من المرونة وعقد لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين من باب ” التخدير”، وصولاً الى تكليف لجنة أممية للبحث عن أسلحة الدمار ، ومن ثم الانقضاض على ايران بغزوها من الداخل كما حدث للعراق عندما قام الاكراد والشيعة بإسقاط بغداد وجاء الجلبي والمعارضين على متن الدبابة الامريكية لتوزيع الورود ومن ثم الغزو من الخارج .
الثالث : ان ترضخ ايران للتهديدات والشروط الامريكية الأخيرة وتتجرع ” السم “، وان تبدي مرونة كبيرة وبراغماتية غير عادية تفويتاً للضربة التي شررها يلوح في السماء ، للتوصل الى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوربي يرضي العم ” سام” ، ويمهد للانسحاب من العراق وسوريا ووقف دعم محور المقاومة المتمثل في حزب الله وحركة حماس والجهاد والحوثيين وشيعة السعودية ، وعدم التدخل في شؤون دول الخليج وفي طليعتها السعودية.
الرابع : ان كرامة وكراهية الشعب الإيراني والعناد ضد الشيطان الأكبر وتهديداته قد تدفع ايران الى الجحيم في غياب توازن الرعب وقلب المنطقة رأساً على عقب، رغم الحق القانوني لإيران في الدفاع عن أراضيها وسيادتها ، مايعطي الذريعة لواشنطن تنفيذ هدفها وممارسة ” توحشها”، ولذلك نعتقد بإن صقور ايران قد لا يلجأون الى هذه المخاطرة ، لان ايران تدرك خطورة المغامرة والخسائر الفادحة والسيناريو البشع، لاسيما وانها تملك رصيداً من البراغماتية وخبرات متراكمة من العبر والاحداث التاريخية التي تجعلها اكثر عقلاً وحكمة في إدارة معاركها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية باستراتيجية تحسب لكل خطوة الف حساب حتى تخرج من الكارثة باقل الخسائر الممكنة.
فهل تعي ايران والسعودية وإسرائيل وتركيا والامارات وامريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا ،، الدروس من تقلبات الزمن ، ولنا في سقوط الروم وفارس والإسلام وهتلر والعثمانيين وعجوز بريطانيا والاتحاد السوفيتي وشاه ايران وعراق صدام ، وليبيا القذافي وبن علي ،، الكثير من العبر والعظات التي تكبح هوى النفس ، وتدعوا الى التسامح والتعايش والحوار والسلام واحترام إرادة الشعوب وسيادة الدول والتفرغ للتنمية والبناء بدلاً من التسلط والطغيان وتصدير الثورات والانقلابات والايدلوجيات المتوحشة وغزو البلدان المستقرة ..أملنا كبير.
Shawish22@gmail.com