(التغيرات السياسية الجديدة في المنطقة وانعكاساتها على اليمن) للتوضيح نفترض تغيير العنوان إلى (الانتصارات والصمود اليمني العظيم وانعكاساتها على المنطقة والمجتمع الدولي) أَوْ (التغيرات السياسية الجديدة في اليمن وانعكاساتها على المنطقة والمجتمع الدولي).
وقد تعمدت أن أثير موضوع تغيير العنوان من باب إثارة العصف الذهني؛ لزيادة الوعي بالعلاقة التفاعلية بين المتغيرات تأثرا وتأثيراً، فلولا الصمود والانتصارات الإعجازية ما حدثت الكثير من التحولات في المواقف والعلاقات الإقليمية والدولية والعكس قضية مسلم بها لدرجة أن أغلب السياسيين من زعماء وقيادات الأحزاب والمكونات السياسية الحاكمة والمعارضة في البلدان العربية تتابع المواقف الدولية المعبر عنها في تصريحات البيت الأبيض أَوْ الناطق عن وزارة الخارجية الأمريكية أَوْ كتابات الصحفيين والكُتاب الأمريكيين المشهورين بصناعة الرأي على اصحاب القرار وكذلك اتجاهات الإعلام الغربي السلبية أَوْ الإيجابية تجاه نظام حكم أَوْ حاكم، والتعامل معها كما يتعامل المهتمين بحالة الطقس أَوْ سوق الأسهم وأخبار البورصة باعتبارها حتمية ومؤكدة لدرجة أن الأغلب بات يرى في أن الإرَادَة الأمريكية هي القضاء والقدر الذي لا يتخلف، وأن ما يحدث في العالم هو استجابة أَوْ تنفيذ لهذه الإرَادَة أَوْ رد فعل لها (الإرَادَة الأمريكية المقصود بها الإرَادَة المعبرة عن الإرَادَة الغربية عموماً والتي يسير في فلك المصالح معها حتى روسيا والصين لتشابك المصالح وارتباط الاقتصاد العالمي ببعضه وفي ظل هيمنة واضحة للاقتصاد الأمريكي).
فما هي أبرز المتغيرات التي حدثت في اليمن وما أبرز آثارها؟
الصمود العظيم في مواجهة أكبر وأقسى وأقبح وأشرس عدوان من تحالف دولي تقف على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وخلفهما الصهيونية العالمية وبتنفيذ سعودي إماراتي سخرت له كُلّ فوائض أموال النفط والمخزون المالي لهما وتبعتهما في بداية العدوان دول عربية وإسْلَامية شاركت بعضها بصورة مباشرة في العمليات العسكرية كالمغرب والسودان والسنغال ومصر والأردن والكويت ودويلة البحرين وقطر بتواطؤ كُلّ دول العالم بما فيها روسيا والصين وسلبية حتى الدولة التي أعلنت الحرب علينا بشبهة علاقتنا بها وبزعم القضاء على نفوذها وسيطرتها على قرارنا.
أعلنت الحرب علينا من واشنطن تحت مسمى عاصفة الحزم التي قدر تحالف الشر لها أيام أَوْ أسابيع لا تتجاوز الشهر ولذلك غير الاسم إلى (عاصفة الامل) باعتبار أن القصف الوحشي الذي لم يحترم أية حرمة كان كافياً لتفكيك وتقطيع قدرات الجيش واللجان الشعبية وإجبار قيادة ثورة 21 سبتمبر 2014 على الاستسلام والانكفاء والفرار للاختباء في مواقع انطلاقها كهوف (مران والنقعة ومطرة)، وبذلك تحقق السعودية الطامحة للهيمنة الإقليمية كشرطي أمريكا بالتحالف المكشوف مع إسرائيل صدمة لقادة محور المقاومة وإرهاب حكومة الجمهورية الإسْلَامية في إيران ومحور المقاومة لتغيير موقفها من القضية المركزية للأمة الإسْلَامية والعربية (القضية الفلسطينية) ما لم فإنَّ إيران ستعاقب بعاصفة حزم جديدة سمعنا؛ بهدف تغييره بقوة التحالف الذي نشأ تحت قيادة السعودية ظاهراً وتحت قيادة إسرائيل أمريكا باطناً جغرافية المنطقة بتفكيك الدول الإقليمية الكبيرة (إيران، تركيا) بعد العراق وسوريا بخلق دولة كردية حليفة لإسرائيل وقاعدة عسكرية لتعميم الفوضى الخلافة (الهدامة) لتصبح إسرائيل الدولة الوحيدة المتماسكة القوية لتكون بتحالفها مع أمراء دويلات النفط واموالهم كنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في العالم.
ولتتضح الفكرة نضع سؤالاً افتراضياً: ما هي التداعيات التي كانت ستحدث في حال استسلام أنصار الله وهزيمة الجيش واللجان الشعبية، وتحقيق التحالف السعودي الصهيوني لأهدافه (السيطرة الآمنة على باب المندب والسواحل اليمنية) وآثار الصدمة على تنامي آمال قوى التفكيك في البلدان المستهدفة ومحيطها كدول القرن الأفريقي وعمان بل ومصر وعلى موازين القوى في سوريا والعراق كردستان بالإضافَة إلى تركيا وإيران؟
وأيضاً ما حجم النمو والتضخم للدور الذي سيلعبه التحالف الصهيوسعودي في سوريا والعراق وتأثيره على موازين القوة في الصراع وتداعيات ذلك على النفوذ الروسي والاستقرار في تركيا والعراق ولبنان؟
وبمعنى آخر لقد كان لصمودنا أثره الواضح على ضمور الدور السعودي وتآكل هيبتها المستمدة من مكانتها الروحية وقدراتها الاقتصادية وقدرتها على القيام بأي دور مؤثر في سوريا والعراق وباتت تستجدي وتشتري الرضا الروسي أَوْ عدم استغلال روسيا لورطتها في اليمن وانكشاف ضعفها وعجزها بتقديم الروس الدعم للصمود اليمني.
نعم.. اليوم التغيرات التي تحدث في الإقليم نتاج الحدث اليمني نتائج الثورة اليمنية للصمود اليمني.
فالخلافات والانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي هي انعكاس لحالة الصمود اليمني وقد أثّر فعلاً في موازين القوة وفرض على دول العدوان البحث عن السلام بشروط مختلفة عن التي وضعتها العنجهية الصهيونية بألسنة ((أعرابية)).
مثلاً الخلاف الخليجي الخليجي (قطر والإمارات والسعودية توسع الدور الروسي في سوريا وحسم المعركة مع داعش) الصراعات داخل الأسرة السعودية وتنامي تكاليف الحرب على الاقتصاد السعودي ((وهذان متغيران كبيرا التأثير على واقع الحرب))..
حسم موضوع الصراع على انتقال السلطة من الجيل الثاني إلى الثالث لصالح محمد بن سلمان وتفرده بالسلطة، تنامي الدور الصيني (إلغاء الاتّفاق الإماراتي في جيبوتي والصومال لصالح الصين)؟ خلقا أجواءً أفضل للمفاوض اليمني؛ لأنهما يعبران عن تفكك تحال الشر وانحساره.
عودة السعودية لنهج عبدالله بن عبدالعزيز في إعلان الحرب على الإخوان المسلمين، ما ترتب عليه انسحاب الإصلاح من المعركة كتنظيم تابع للإخوان المسلمين واقتصار المشاركين على المرتزقة.
الانتخابات اللبنانية والعراقية والبراغماتية السعودية في القبول بواقع النفوذ الإيراني والقبول بمجرد التواجد والحضور التابع.. والحراك الإقليمي في ملفات عدة هنا وهناك نتيجة قلب الموازين في اليمن.
ففي هذه الأرض وبفضل اليمنيين تذهب الدول لتحريك ملفات ضاغطة في سوريا ولبنان وغيرها وغيرها.
والعودة الروسية لممارسة دور في مجلس الأمن مغاير للموقف الأمريكي يأتي من خلال هزيمة السلاح الأمريكي في اليمن.
لقد سقطت هيبة أمريكا ؛ ولذا تشاهدون ابتزازها لدول المنطقة واستجداء دول المنطقة لها لنصرتها في عدوان هي من بادر به.
اليوم الجميع يراهن على إيجاد حل سلمي لعجزه عن كسر إرَادَة اليمنيين الصامدون في مواجهة العدوان.
نحن نسمع اليوم عن زيارات لقادة عرب هنا وهناك مصر تتحرّك دول الجوار تتحرّك إيران تتحرّك مسقط تستقبل وتودع زواراً إقليميين ودوليين.
كل هذا بسبب اليمن الجديد الذي فرض معادلة جديدة إن لم يفهموها سيظلون يدورون في حلقة مفرغة حتى تقتلعهم رياح التغيير، حال معرفتهم وإقرارهم بهذا الواقع الجديد، عندها سيجدون المخرج الحقيقي لمأزقهم الذي وضعوا أنفسهم فيه لن يكونوا لا بحُسن الجوار والاعتراف باستقلال اليمن وسيادته على أرضه.
ولكن.. هل نحن هنا من موقع مسؤوليتنا مدركون لحجم التغيير الذي احدثناه لنجني ثمار النصر؟
ثمار الموقع الذي فرضته دماء الشهداء الأبرار الذين بذلوا أرواحهم في مقارعة العدوان وتلك الدماء التي سقطت من المدنيين الذين قتلوا بغارات العدوان في كُلّ مكان وكل مدينة وكل قرية ومديرية وناحية وكل بيت.
هل يدفعنا ذلك لنكون أوفياء معهم ببنا دولة النظام والقانون ودولة العدالة ومحاربة الفساد وكف أيدي الفاسدين.
ونشر السلام المشرف الذي يستوعب كُلّ اليمنيين لنفتح صفحة جديدة.. يليق باليمن الجديد الذي غيّر معادلات العالم إقليمياً ودولياً؟؟
الوفاء للشهداء يجب أن يقابل بالوفاء لهم وللأجيال القادمة ببناء يمن آمن ومستقر ينعم بالعلم والتقدم في كُلّ المجالات.
الرحمة والمجد والخلود للشهداء.
والشفاء للجرحى.
الحرية للأسرى.
العزة والمنعة والاستقلال والسيادة لليمن.
صحيفة المسيرة