يسمَّون الجريمة حادثة عرضية عابرة، ويسمون المجني عليه فيها مجرد امرأة، وأما الجاني فهو ـ في نظرهم ـ فرد مدفوع بنزوة شخصية ليس إلا… بينما نسمي الجريمة اغتصاب وطن، والمجني عليه كرامة شعب، والجاني تحالف احتلال وعدوان كوني إمبريالي أمريكي لا يصدر عن نزوات فردية، بل عن مشروع بات واضح المضامين والأبعاد اليوم لعيون وألباب العامة قبل الخاصة… لكن ترسانة قصف الأدمغة والعقول تستميت في محاولة استفراغ هذا الوعي الشعبي داخل دائرة سيطرة العدوان وتصريفه بعيداً عن أن يصب لجهة الاصطفاف الوطني الثوري وفي معركة الحسم.
في واقعة (اغتصاب امرأة الخوخة)، انتشر أبواق وعسس تحالف العدوان على مسارين يبدوان متباينين كلياً في الظاهر، بينما هما من حيث الاستراتيجيا ينحوان لتحقيق غاية خبيثة واحدة، تتجلى في احتواء تداعيات الواقعة عند التخوم النائية لـ(الاحتلال) كسبب في صلته المباشرة بالواقعة كنتيجة وامتداد له…
مسار اعتمد تضليل الرأي العام (المحلي تحديداً) عن حقيقة الاغتصاب، عبر إنكارها والمطالبة بأسانيد مادية منظورة (مستحيلة) لتأكيد وقوعها… ليس هناك احتلال ـ إذن ـ في هذا المسار وما جرى ويجري من هتك ممنهج للأعراض في المناطق المحتلة من قبل التحالف، هو بحكم الوقائع الافتراضية التي تنم عن مكايدات سياسية مغرضة لا أكثر؛ في سياق اعتيادي يومي لبلد وشعب غير مستهدفين بعدوان عسكري كوني وحصار محكم للعام الرابع على التوالي…
أما المسار الآخر النظير جوهرياً للآنف والمختلف معه نظرياً على مستوى تكتيكي، فقد اعتمد منطقاً متفهماً يقر بواقعة الاغتصاب ويستبشعها شاجباً إياها بكل العبارات، وداعياً لتحرك فوري ضاغط صوب إنزال أشد العقوبات بمرتكبها… وكالسالف، فإنه ما من احتلال أجنبي يواصل ارتكاب مجازر جماعية بحق المدنيين من شعبنا نساءً وأطفالاً بصورة لا تستدعي أن يبدي أبواق هذا المسار المخاتل غيرتهم وشجبهم لها عوضاً عن الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع مرتكبيها حتى التحرير وضمان السيادة الوطنية على كامل التراب اليمني…
هذا المسار (المتفهم) لا يموِّه على حقيقة وقوع الاغتصاب تحت الاحتلال فحسب، وإنما يعيد ملابسات وحيثيات الواقعة إلى ملعب المحتل للبت فيها بوصفه حكماً لا جانياً، مسوِّقاً إياه بوصفه (شرعية، مقاومة شعبية، جيش وطني،…)؛ وهكذا، فإن فرط الغيرة التي يبديها على الشرف (الشخصي) المنتهك لـ(امرأة) اغتصبها (جندي منحرف)، ليست تلك الغيرة التي تجعل من صاحبها شريفاً من طراز رفيع، قدر ما تقدمه كقواد محترف يفاوض المجني عليها لجهة القبول بصفقة وضيعة تتضمن زيارة فراش المحتل (المنقذ)، كشرط للحصول على قصاص عادل من جانٍ، هو أداة للاحتلال لا أكثر…
لكن لماذا فضلت (توكل كرمان) وهي إمام المذهب النوبلي ـ التزام الصمت إزاء صراخ امرأة تهامية يمنية مغتصبة تستنجد ملائكة السلام الغوث؟!
أقول مجيباً بعد الاستعانة بالله: لعل كرمان لا ترى في الواقعة اغتصاباً، وإنما تنظر إليها كـ(جهاد نكاح) تؤجر عليه الضحية عند ربها!
صلاح الدكاك : اعقلها (وتوكُّل)!
التصنيفات: أقــلام