كانت نجومية ابن سلمان في المجتمع السعودي، لاسيما في أوساط الشباب، مرتبطة بهجومه الإجرامي على اليمن الذي توهموا أن يجلب لهم نصرا يعالج أمراض الخواء التي يعانون منها. لسنا بحاجة إلى انكار الوقائع بالإدعاء بأن سلمان وابنه وحدهما شريران ، لأن النزعة العدوانية التدميرية نحو اليمن لم تكن محصورة بهما ، ولا حتى بالأسرة السعودية وحدها ، فقد سمعنا دعوات تنضح حقدا ، وشاهدنا قلوبا يملؤها القيح والصديد ظنت أن ما يشفي غليلها ليس أقل من خنق اليمنيين وإذلالهم ، وقتلهم جوعا وعطشا . ولنتذكر بهذه المناسبة تلك الدعوة التي أطلقها قبل بدء العدوان أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر د. محمد المسفر ، لفصل جنوب اليمن عن شماله والإعتراف بدولة الجنوب العربي على الجغرافيا التي كانت تشكل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، وفرض حصار مطبق يعزل الجفرافيا التي كانت تشكل الجمهورية العربية اليمنية عن العالم برا وبحرا وجوا .
لقد انتشى السعوديون بأخبار القصف الجوي ، الذي كان يطحن مساكن ومصالح ومنشآت وممتلكات المواطنين والدولة ، و يعجن عظام النساء والأطغال ، ويجوعهم ويحرمهم من الدواء ، فصار نجم الإجرام محمد بن سلمان البوب آيدول ( معبود جماهير أغاني البوب) كما قال بروس ريدل – من معهد بروكز – ، الذي أضاف أن صور الأمير ملأت صفحات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزيون واللوحات الدعائية السعودية ، وصدرت أغان شعبية (بوب) عنه ، وأن الشباب السعوديين وجدوا في حرب ابن سلمان مصدر إثارة جعلهم يتحمسون له وينتظرون منه مواقف أعنف تجاه أعداء المملكة .
أما سيمون هيندرسون مدير برنامج الخليج والطاقة لدى معهد واشنطن فيأخذنا مع سلمان وابنه إلى النظريات الفلكية ويلاحظ أن (( الملك يعتقد أن الشمس تشرق من مؤخرة ابنه)) ، وأن الجمهور السعودي حيا وهتف للموقف العنيف الذي اتخذه هذا الأمير الشاب ضد اليمن ، والذي جعل السعوديين يشعرون بأن بلادهم أصبحت تمتلك الجرأة التي لم تعرفها سابقا ، وأن السعودية لم تعد بحاجة إلى ممرضات مع وجود ابن سلمان .
بعد ثلاثة أعوام من ((الإثارة)) و ((الجرأة)) اللتين أسكرتا شباب البوب ، ومن تغنيهم بأمجاد معبودهم الدموية حان أن تطير السكرة و تحل الفكرة ليدركوا أن عدوانهم على اليمن قتل ودمر وأجرم إلا أنه فشل فشلا مصحوبا بالعار ، وكشفهم للبعيد والقريب ككيان مهووس بالحروب واشعال الحرائق تحركه مخاوف وشكوك وأطماع نحو الآخرين وليس نحو اليمنيين فقط ، وخلافهم العدائي مع قطر ، وهي الدولة الوحيدة التي تقف معهم على أرضية ايديولوجية واحدة هي الوهابية – كما أشار إلى ذلك وليم كوانت في الثمانينات – شاهد على مانقول . وبدلا من حمى الإثارة التي مثلتها لهم الحرب ، والجرأة التي شعروا معها بقدرتهم على شن الحروب وقتما يشاؤون وأينما يشاؤون الأجدر بهم أن يسألوا أنفسهم :ماذا لو شنت المملكة هذا العدوان على اليمن بمفردها ليدركوا أن الحروب ليست نزهة أبدا ،وأن الكراهية والحقد لايصنعان سياسة مثمرة ، وأن الغرور المقرون بالجهل أقصر الطرق إلى الهزيمة والهلاك .
ها هو العدوان الهمجي يدخل عامه الرابع بعد أن زرع الخراب وحصد الويلات ، لكنه أثمر ثمرا خاصا بشركات صناعة الأسلحة الأمريكية والغربية . إن المشهد الأبلغ دلالة على الحصاد الحقيقي للحرب التي غنى لها السعوديون ، من شباب البوب إلى شيوخ المنابر والشاشات قدمه الأمير الشمس وهو في حضرة المستر دولار ،حيث كان ترامب ينظر في أثمان مشتريات ابن سلمان من الأسلحة فيجد أن الأرقام ضئيلة :مليارات ، عشرات او مئات الملايين من الدولارات وتعليقاته على الأرقام :فتات..فتات..فتات ، ومعبود الشباب السعودي يفتخر بملايين فرص العمل التي وفرتها مملكته للمواطنين الأمريكيين وبعشرات الآلاف من الفرص التي ستوفرها عقوده الجديدة . وبتلك الصورة فليسعد شباب (البوب آيدول) المنتظرين في رصيف البطالة بمعبودهم ، وليتحققوا من اختبار صحة نظرية مليكهم الفلكية الجديدة ، وليتيقنوا أن الأرض لم تعد مركز الكون كما تصورت نظرية ارسطو – بطليموس وكما اعتقد الشيخ ابن باز حتى آخر لحظة من حياته ، ولا الشمس مركز الكون كما تصور كوبر نيكوس . لقد صار للعالم مركز جديد هو البيت الأبيض ، ومركز المركز ترامب ، أما الشمس التي تشرق من مؤخرة أميرهم ومعبودهم فلا تشرق إلا على مركز المركز ، وتدور حول مداره ، وتطيع ارادته ، وتشع عليه بمئات مليارات الدولارات . والمستر دولار لا يشكر الأمير بل يزدريه معتقدا أن وجود هذه الثروة تحت تصرفه خطأ يجب تصحيحه . كتب نعوم شومسكي في كتابه (إعاقة الديمقراطية ) ما رأينا أن نختتم به هذه السطور . قال [والشيء الخفي هو أن العرب لا حق لهم أساسا في النفط الذي وضعته صدفة جيولوجية تحت أقدامهم . وقد عبر عن ذلك وولتر لاكوير في 1973 قائلا إن نفط الشرق الأوسط ((يمكن تدويله لا نيابة عن بضع شركات نفطية بل لمنفعة بقية الجنس البشري )) . ولايمكن القيام بهذا إلا بالقوة ، الأمر الذي لا يثير مشكلة أخلاقية لأن ((كل ماهو معرض للخطر هو مصير بعض المشيخات الصحراوية )) . وعليك فقط أن تبدل ترتيب الكلمات قليلا . ضع بدل ((التدويل )) : ((سيطرة الولايات المتحدة وعملائها )) (طالما ظلوا مؤيدين ثابتين لإسرائيل ) . وبدل ((بضع شركات نفطية)) ضع ((العرب الذين لايستحقون شيئا ))
د.أحمد الصعدي: الأمير الشمس في مدار ترامب
التصنيفات: أقــلام