د.احمد الصعدي:
يصر الرئيس الأمريكي ترامب على إتمام تصفية القضية الفلسطينية بما يسميه ((صفقة القرن)) بمشاركة فاعلة من حكام عرب على رأسهم آل سعود ، بعد أن رأى أن ردود أفعال العرب والمسلمين على قراره نقل سفارة بلاده إلى القدس لم تكن بالمستوى الذي يقلقه ، ولا يقلقه غير التهديد الجدي لمصالح دولته أو للكيان الصهيوني . هذه حقيقة يجب الإعتراف بها لا تثبيطا للعزائم ولا تسليما لمنطق المتخاذلين بل تحذيرا مما يقود إليه تهاون وسلبية أصحاب القضية العادلة الذين يركنون إلى أن عدالة قضيتهم كافية لإنتصارها ، متجاهلين إن قضية الهنود الحمر كانت عادلة ولكنهم أبيدوا وشردوا وجرى محو ثقافتهم من قبل الأوروبي الأبيض . لم تتراجع قضية العرب الأولى عن مكان الصدارة لدى النظام الرسمي العربي وقطاع واسع من العرب هكذا فجأة بل نتيجة عمل دؤوب مخطط منذ عقود، تكالبت عليه أطراف فاعلة صاحبة مصلحة وتملك المال والإعلام والفتوى الشرعية وتوظيف الوجدان الديني لهذا الغرض فتمكنت من جعل أفغانستان قضية قضايا المسلمين ومحك مصيرهم في العالم . بين أيدينا كتاب ((الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان )) للدكتور عبدالله عزام ، الفلسطيني الذي وظف معارفه الدينية وبلاغته الخطابية لحشد كل طاقات العرب والمسلمين نحو أفغانستان كما لو أنها فلسطين وكابول القدس . تضمن هذا الكتاب الذي أصدرته جامعة الدعوة والجهاد في بيشاور (الطبعة الثانية 1406ه ) فتوى قال عبدالله عزام في مقدمتها أنه قد اتفق السلف والخلف وجميع الفقهاء والمحدثين في جميع العصور الإسلامية على أنه إذا أعتدي على شبر من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة حيث يخرج الولد دون إذن والده والمرأة دون إذن زوجها ، إلا إن الجهاد الذي دارت حوله الفتوى بل وكل ما تضمنه الكتاب هو الجهاد في أفغانستان أولا وأخيرا رغم أنه ذكر قضيتين مركزيتين للمسلمين هما أفغانستان وفلسطين . وتحت عنوان (( البدء بأفغانستان)) يقول ((من استطاع من العرب أن يجاهد في فلسطين فعليه أن يبدأ بها ومن لم يستطع فعليه أن يذهب إلى أفغانستان وأما بقية المسلمين فإني أرى أن يبدأوا جهادهم في أفغانستان )) . ويرى الدكتور عبدالله عزام أسبابا تجعل البدء بأفغانستان قبل فلسطين أولى ، منها أن المعركة في أفغانستان لا زالت قائمة وعلى أشدها ولم يشهد لها التاريخ الإسلامي نظيرا ، وأن الراية في أفغانستان إسلامية واضحة والغاية واضحة (لتكن كلمة الله هي العليا ) ، وأن الجهاد في أفغانستان يقوده أبناء الحركة الإسلامية والعلماء وحفظة القرآن بينما الأمر مختلف في فلسطين حيث سبق إلى القيادة أناس خلطاء منهم المسلم الصادق ومنهم الشيوعي ومنهم القومي ومنهم المسلم العادي ، ورفعوا راية الدولة العلمانية .
ومن الأسباب التي تجعل البدء بأفغانستان قبل فلسطين أولى أن القضية في أفغانستان لازالت بيد المجاهدين ولازالوا يرفضون المساعدات من الدول المشركة الكافرة بينما اعتمدت الثورة الفلسطينية كليا على الإتحاد السوفييتي ، وأن حدود أفغانستان مفتوحة أمام المجاهدين وتبلغ هذه الحدود أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر أما بالنسبة لغلسطين فالأمر مختلف تماما فالحدود مغلقة وعيون المسؤولين تتربص بكل من حاول اختراق الحدود لقتال اليهود . ولمزيد من تحفيز الشباب العربي على ترك كل قضاياه التحررية والذهاب إلى أفغانستان ينقل عبدالله عزام في فتواه مناشدات أمير المجاهدين عبد رب الرسول سياف للعرب للذهاب بالملايين إلى أفغانستان ، ويضيف عبدالله عزام ((يقول الأفغانيون: وجود عربي واحد بيننا أحب إلينا من مليون دولار )) . تضمن الكتاب مواد ملحقة بالفتوى يشير في إحداها إلى أن فلسطين ضاعت وإن ما أفسد قضيتها نهائيا هو جورج حبش ونايف حواتمه والأب كبوشي وأمثالهم . ومما له دلالة أن الدكتور عزام يتحدث بإسهاب عن إضطهاد وقتل المسلمين والتنكيل بهم في الماضي والحاضر في يوغسلافيا وبلغاريا و أوغندا والفلبين وتناسى معاناة الشعب الفلسطيني وإقتلاعه من أرضه ولم يشر إلي فلسطين والقدس ولا بكلمة واحدة في معرض حديثه عن أوضاع المسلمين في العالم .
إن هذه الفتوى التي تجاهلت الخطر الصهيوني وهيجت عواطف جماهير المسلمين نحو أفغانستان لقيت إستحسان وموافقة حارة من الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيوخ عبدالله علوان وسعيد حوى ومحمد نجيب المطيعي والدكتور حسين حامد حسان ، ومن اليمن عمر أحمد سيف (ص3) . هكذا صورت القضية للعرب والمسلمين أما المجاهد عبدالله عزام فكان يعرف مقدار اللعبة الاستخبارية الدولية في الجهاد الأفغاني لأنه كان ضالعا بها شخصيا وذهب ضحيتها . كان عبدالله عزام يؤدي وظيفته بإخلاص لهذا كان يشتاط غضبا إذا ذكره أحد المستمعين إلى محاضراته بالخطر الصهيوني على فلسطين الذي سيعني ضياعها وهذا ما له عام 1982 مع الدكتور رضوان السيد في مسجد كلية الآداب بجامعة صنعاء وفي محاضرة مسائية في نفس اليوم في مكان آخر . بالأمس أحتلت أفغانستان مكان فلسطين والقدس في عمل مدروس ومنظم . واليوم لا يجري تجاهل فلسطين والقدس فحسب بل التضحية بهما لمواجهة ما يسميه عرب الامبريالية والصهيونية بالخطر الأكبر والوجودي وهو الجمهورية الإسلامية في إيران !