محمد الصباحي*
تسارعت دقات قلوبهم خفقانا , أنفاسهم بدأت تضيق , ألسنتهم تبدأ في تراتيلها المعتادة تلهج بالدعاء كي تطول حياتها , كلما علموا بأن أنفاسها قد بدأت تنفد من رئتيها لتخرج منها نفسا نفسا ,لحظات ترقب كانت فاجعة دائما ما تطبق عليهم أشبه بالاحتضار ,
فوضى عبثية تلتهم سكون تلك الأسرة ; تعصف بكل تحصيناتهم المعنوية والمادية على وجه الخصوص, ظلت تلك اللحظات المرعبة تسكنهم بسكراتها , يتخبطون مذهولين في انتظار نبأ وفاتها , وخروج آخر نفس , يشعل حياة جديدة .
يطرق الجميع أذنيه بتوجس وترقب دقيق , علهم يسمعون عن أنباء مفرحة – ولو لبعض الوقت – في استمرارها في اشعال حياة جديدة من فم والدتهم ؛ فقد كانت أكثر جلسائها التصاقا بها , تربطهما علاقة خاصة لدرجة أنها تعلم بموعد سكراتها , وعدد أنفاسها ومتى ستتوقف حياتها.
غير أن رهبة الحرب قد أذهبت ببعض فراستها في تتبع أنفاسها الأخيرة , وهي تخرج منها دون علمها ,
يهرعون بين الفينة والاخرى مفزوعين مرعوبين يسألونها :
– هل مازالت تتنفس يا أمي ؟!!
– أخبرينا هل توقفت رئتيها عن تجديد أنفاسها ؟
لم تجب على أسئلتهم العبثية في حضرة الموت ,وكأنها تحدث نفسها :
– ليت الأجوبة على أسئلتكم تعيد إليها أنفاسها
فجأة يتبدد ذاك السكون وصمت الإنتظار وتتبعثر لحظاته المفزعة بعدما همست والدتهم – خوفا من أن يعلم أباهم – بصوت يعتصره الألم قائلة :
– توقفت أنفاسها عن الإنبعاث من داخلها !
هول الخبر كان صاعقا عليهم غير مصدقين لذاك النباء, هزت رأسها بعد أن رأت توسلاتهم إليها أن تنفي الخبر الثقيل الذي ألقته عليهم , وهي ترى أبصارهم تتوسل إليها بأن يكون ذاك الخبر غير صحيح
– نعم يا أبنائي لقد غادرت روحها جسدها غير آبهة بتوسلاتكم ؛ لتبقى جثة هامدة باردة كبرود مكانها هزيلة , لم أبخل عليها بتراتيل دعواتي بأن تدوم حياتها أياما وأياما – حتى ولو دقائق – لقد كانت تشفق بحرص أن لا تخرج أنفاسها عبثا , حاولت إنعاشها فقلبتها يمينا وشمالا ولكن لم ينفع ذالك .
واصلت حديثها الناعي بحزن شديد , وهي تراها مسجاة على الأرض تبرر لأولادها عدم معرفتها بموعد اقتراب موتها بعد أن أحست في عيونهم الكثير من اللوم والعتاب والتأنيب:
توسلت , تضرعت لها , أن تمسك أنفاسها بقوة , وتتشبث بالحياة لأجلنا ,دنوت منها مستجديه مستعطفه ؛ بأن لاتفارقنا في هذا الوقت قلت لها :
– ابقي معنا سنعبر من هذه المحنه سويا أرجوك , أتوسل أنفاسك الحية بداخلك !
لم تستطع حبس دموعها عن الخروج , جثمت على الأرض باكية وهي تخاطب أولادها الجوعى :
– كنت أتمنى أن أعطيها أنفاسي لتظل تشعل حياة أخرى , لم تسمع توسلاتي جميعها , رغم ذلك استمرت في اعتصار كل ذرة نفس بداخلها , وتجمعه لتبثه في شرايينها , وتدفعه بعناء , ولسان حالها يخاطبني :
– ستظل أنفاسك أنتي هي الباقية في هذا المنزل حبا وعطفا وحنان وتضحية
تجمع الأولاد حول أمهم , وقد امتدت أياديهم حولها , يحتضنون جسدها بإشفاق وحب , وعيونهم ترقب بألم وغضب أسطوانة الغاز التي لفضت آخر انفاسها , قائلون :
– نعم يا أمي أنتي من تمدينا بتلك الأنفاس للحياة
*احتضار من مجموعتي القصصية ” حياة ليوم واحد ” أتت مناسبة لما التقطته عدستي .