أحمد عمارة
مع تأزم الأوضاع الإنسانية في سوريا نتيجة الحرب والحصار قد تجد بعض الناجيات متنفسًا للبقاء على قيد الحياة من خلال المساعدات الإغاثية للمنظمات الدولية، ولكن الأمور تتعقد أكثر عندما يُصبح ذلك «النفس» مشروطًا بابتزازات جنسية لوسطاء لمنظمات دولية شرطوا تقديم المساعدة بالمقابل الجنسي، وهو أمر لم يتوقف على سوريا وحدها، وإنما يمتد لفضائح جنسية لمنظمات إغاثية كُبرى في دول الأزمات، تصل لحالات اغتصاب جنسي.
هكذا تقول دانييل سبنسر، المستشارة الإنسانية في إحدى الجمعيات الخيرية، في شهادات نقلتها عن مجموعة نساء سوريات في مخيم لاجئين بالأردن في مارس (أذار) 2015، تحكين تجاربهن مع أفراد المجالس المحلية الذين حصلوا على المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية وحجبوها عن السيدات بحسبهن مقابل الجنس في مناطق مثل درعا والقنيطرة.
والأمر لم يمثل حالة فردية، وإنما كان «منتشرًا لدرجة أنه لا يمكن للنساء أن يذهبن دون أن يلحق بهن العار، وأصبح هناك افتراض بأنه إذا ذهبت أي امرأة إلى أماكن توزيع المساعدات، فإنها قد قدمت تنازلاً جنسيًا مقابل المساعدة»، بحسب دانييل، التي يؤكد كلامها بلغة رقمية أكثر وضوحًا مسح أجرته «لجنة الإنقاذ الدولية» في يونيو (حزيران) 2015 شمل 190 امرأة وفتاة في درعا والقنيطرة، وأفاد 40% منهن بتعرضهن لعنف جنسي أثناء الحصول على الخدمات، بما يتضمن مساعدات إنسانية، أي بمعدل امرأتين من كل خمس سيدات.
الحرب تفتك بسوريا
وجاءت إفادة دانييل في إطار تحقيق لبي بي سي عن الأمر، خرج للنور يوم الثلاثاء الماضي، وسلّط التحقيق الضوء على أمثلة لسوريات تزوجن مسؤولين لفترة قصيرة من الزمن لتقديم «الخدمات الجنسية» مقابل الحصول على الطعام، لافتًا إلى أن «الكثير من موزعي المساعدات الإنسانية يطلبون أرقام هواتف النساء والفتيات، ويعرضون إيصالهن لمنازلهن بسيارتهم مقابل الحصول على شيء في المقابل، أو يعرضن الحصول على معونات غذائية مقابل زيارتهن في منازلهن، وقضاء ليلة معهن».
اتهامات بـ«غض الطرف» عن الانتهكات الجنسية لوصول المساعدات لعدد أكبر
وقد تنبهت منظمتان عاملتان فى مجال الإغاثة الإنسانية إلى تلك الانتهاكات منذ 2015، ولكن يبدو أن الأمر لا يزال مستمرًا، بحسب تقرير أُعد لـ«صندوق الأمم المتحدة» العام الماضي، كشف أن مقايضة تقديم المساعدات بالجنس لا يزال مستمرًا في مختلف المحافظات السورية.
ومع إدراك المنظمات الإغاثية للاستغلال الجنسي، إلا أن أحد العمال بها يفيد بأن تلك المنظمات تغض الطرف عنه؛ لضرورة استخدام مسؤولين محليين لإيصال المساعدات في الأجزاء الأخطر من سوريا؛ حيث يعجز الموظفون الدوليون عن الوصول إليها، وينفي كل من صندوق الأمم المتحدة و«اليونسيف» وقوع تلك الانتهاكات من شركائهم المحليين، مع الإقرار بخطورة الاستغلال الجنسي في سوريا، ونيتهم إنشاء آليات للتبليغ، وتدريب شركائهم المحليين، فيما اتهمّت دانيل «الأمم المتحدة والنظام السوري باختيار التضحية بأجساد النساء».
وقالت: «الاستغلال والاعتداء الجنسي للسوريات معروف، وقد جرى تجاهله لمدة سبع سنوات. في مكان ما اتُخذ قرار بالموافقة على أن تتعرض أجساد النساء للاستخدام والإيذاء والانتهاك من أجل تقديم المساعدات لمجموعة أكبر من الناس».
بدوره وصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من جينيف مقرًا له «مقايضة الاستغلال الجنسي بالمساعدات الإنسانية في سوريا» بالأمر «المشين»، داعيًا الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية بتفعيل آلية الرقابة ووضع آلية فعالة لقبول الشكاوي، والعمل بقوة لوقف تلك الانتهاكات.
فضيحة جنسية لأوكسفام في هايتي وتشاد وجنوب السودان
ولا يتوقف الأمر على سوريا فقط، وإنما يمتد للعديد من الدول من بينها على سبيل المثال لا الحصر: هاييتي وتشاد وجنوب السودان، وقد برز مؤخرًا اسم منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية، التي تُعد واحدة من أكبر المنظمات الخيرية في بريطانيا والعالم، وحصلت على تبرعات في 2016 تصل لـنحو440 مليون يورو.
وقد تورطت أوكسفام في فضائح جنسية لموظفيها في مناطق الأزمات، بما يتضمن إقامة حفلات جنسية في مقار المنظمة في هاييتي عقب الزلزال الذي ضربها في 2010، مع إفادة تقارير أخرى بوقوع مثل هذه الحفلات في تشاد عام 2006، بل امتد الأمر لتورط بعض موظفي أوكسفام في وقائع اغتصاب بجنوب السودان.
وأظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته المنظمة داخليًا شمل نحو 120 عاملًا بها، بأن ما يقرب من 11- 14% منهم شهدوا اعتداءات جنسية، أو تعرضوا لها، فيما أفاد 7% من العاملين في جنوب السودان بأنهم قد شهدوا أو مروا بتجربة اغتصاب أو محاولة اغتصاب.
وقد اتهمت المنظمة ليس فقط باستجلاب عاملات الجنس إلى مقارها في هاييتي عام 2011، وإنما أيضًا بإخفاء نتائج التحقيق، وعدم إبلاغ شرطة هاييتي بتلك الوقائع، مع الإشارة إلى أن البغاء غير قانوني في هاييتي؛ مما دفع السلطات الهاييتية بتهديد أوكسفام بطردها من البلاد، وقد اعتذر رئيس مؤسسة أوكسفام أمام المشرعين البريطانيين، عن عدم إبلاغ السلطات الهاييتية بالانتهاكات الجنسية التي وقعت فيها المنظمة هناك.
وقد أقر رونالد فان، مدير عمليات أوكسفام في هاييتي باستجلاب «عاملات جنس» إلى مقر أوكسفام بهاييتي، نافيًا دفع أموال لهم، وعلى أثر فضيحة أوكسفام، قدّم فان استقالته، على أن يتعاون في التحقيق الذي تجريه المنظمة في هذا الشأن، ذلك التحقيق الذي تضمن تورط ثلاثة من العاملين في المنظمة بتهديدات بدنية ضد الشهود.
وقد دفعت الفضيحة بيني لورانس، نائبة الرئيس التنفيذي لأوكسفام، لتقديم استقالتها، وقالت إنها «تشعر بالخجل» وتتحمل كامل المسؤولية تجاه ما حدث للمنظمة، الخسارة الأكبر للمنظمة تتمثل في تضرر سمعتها وفقدان ثقة المتبرعين لدرجة إعلان نحو 7 آلاف متبرع دائم للمنظمة إلغاء تبرعاتهم لمنظمة أوكسفام.
ولم تتوقف الفضائح الجنسية لأوكسفام عند هذا الحد، وإنما برز اسم أوكسفام أيضًا خلال حصاد الانتهاكات الجنسية التي وقع فيها موظفو المنظمات الخيرية البريطانية خلال العام الماضي 2017، وقد بلغ العدد الإجمالي لتلك الانتهاكات 120، أغلبيتها كانت من نصيب موظفي أوكسفام بـ87 انتهاكًا جنسيًا.
أوكسفام ليست وحدها.. منظمات إغاثية متهمة بالاعتداءات الجنسية
ولم تتوقف الانتهاكات الجنسية على أوكسفام، وإنما شملت أيضًا منظمات بريطانية أخرى تتضمن منظمة «أنقذ الأطفال» (Save the children)، وقد حققت المنظمة في 31 بلاغًا بانتهاك جنسي لموظفيها، وأسفرت التحقيقات عن طرد 16 من موظفيها، وإحالة 10 إلى السلطات، فيما حققت منظمة «المعونة المسيحية» (Christian Aid) في حالتي اعتداء جنسي، وفصلت أحد موظفيها، واتخذت إجراءً أقل شدة مع الآخر.
فيما نفت «منظمة الصليب الأحمر» (Red Cross) فصلها لأي من موظفيها عالميًا خلال الخمس سنوات الماضية، مع وجود «حالات قليلة» من الاعتداءات الجنسية في بريطانيا العام الماضي، والتي اتخذت «حيالها الإجراءات المناسبة»، بحسب ما أفادت في بيانها، دون تحديد هذه الإجراءات.
وبعيدًا عن المنظمات البريطانية، فقد وقع موظفو منظمة عالمية إغاثية كبرى في فخ الاعتداءات الحنسية، وهي منظمة أطباء بلا حدود التي تُعد واحدة من أكبر المنظمات الإغاثية في العالم، ويصل عدد موظفيها إلى 40 ألف موظف حول العالم، وتحصل على تبرعات سنوية وصلت لـ120 مليون يورو في عام 2016.
خلال عام 2017، تلقت المنظمة 40 شكوى تتعلق باتهامات بالاعتداءات الجنسية، وتحركت في 24 قضية، وأسفرت التحقيقات عن فصل 19 من موظفيها، فيما أفادت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)»، بأن 21 من موظفيها إما فُصلوا أو استقالوا منذ العام 2015؛ بسبب «دفع أموال لقاء خدمات جنسية»، فيما أقرّت «اللجنة الدولية للإغاثة (IRC)» بحدوث ثلاث حالات للاعتداء الجنسي أثناء عمليات الإغاثة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
“ساسة بوست”