سؤال الديمقراطية لا يزال مشرعاً ومشروعاً في ظل توالي الخيبات العربية المتعلقة بملف تداول السلطة سلمياً عبر انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية.
وﻷن قوى الفساد والاستبداد تعرف حقيقة المآل في حال تمكنت الشعوب من حكم نفسها بنفسها ولو في الحد الأدنى، فإنها تعمل بكل السبل لكي تجعل من الديمقراطية عنواناً لممارسات استبدادية، تجعل المرء يكفر بديمقراطية لا تنتج سوى الحاكم (الديمقراطي) نفسه.
في 1990م ومع إعلان الوحدة اليمنية نظم دستور الجمهورية اليمنية مسألتي التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، إلا أن حرب 94م وضعت حداً لآمال التغيير، وكان على شعبنا أن ينتظر طويلاً حتى تلوح فرصة للتنافس الحقيقي على مقعد الرئاسة .
في 1999م غامر صالح في اختبار شعبيته من خلال تنافس صوري بعد استبعاد مرشح المعارضة المناضل علي صالح عباد مقبل، لكن ما فعله النظام السابق في اليمن قبل نحو عشرين عاماً غدا مثالاً يحتذى بالنسبة للنظام الجديد في مصر، ما يشكل انتكاسة كبيرة لأحلام الجماهير العريضة التي خرجت في ثورتي 25 يناير و 30 يونيو.
” ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” هذا هو شعار الفراعنة المستبدين على مر العصور . وفي مصر العظيمة بشعبها وتاريخها استخف الحاكم العسكري بالمصريين ونسج لهم انتخابات ديكوريه لا مكان فيها لأي مرشح معارض، والأسوأ أن نموذجاً كهذا يراد تعميمه على الوطن العربي، تستوي في ذلك الجمهوريات والملكيات مع تفاوت طفيف هنا أو هناك.
والمؤسف أننا في اليمن انخرطنا في مسرحية هزلية كبيرة، حين نزلنا قبل ست سنوات وصفقنا لعملية انتخاب هادي، – وهو المرشح الوحيد حينها- في أسلوب انتهازي يقوم على مبدأ ” الغاية تبرر الوسيلة “. والحقيقة أن الوسيلة كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية التي ننشدها ونطالب بإعمالها على أرض الواقع ، والنتيجة أن هادي الذي تربع كرسي السلطة وغدا دمية بيد الخارج، صدق الكذبة الكبرى ولا يزال يستثمر مع حلفائه شرعيته المهترئة والباطلة من أساسها!
لنعترف -كنخبة سياسية- أننا أخطأنا بحق الديمقراطية وبحق الثورة وبحق الشعب حين تنازلنا عن حجر أساس الديمقراطية: الانتخابات الحرة والتداول السلمي للسلطة، ولنعمل من الآن على صياغة تسوية سياسية تعيد الكرة في مرمى الشعب ليختار في مناخ حر وتنافسي ممثليه في مختلف السلطات التشريعية، والتنفيذية والقضائية. ومن يؤمن بأن في اليمن شعب عظيم – وهو عظيم بالفعل – فليحتكم لقرار هذا الشعب وينزل عند إرادته، وإلا فإن ديمقراطية قرقوش ستظل تصفع حاضرنا ومستقبلنا.
بقي أن أقول أن معركة الاستقلال والسيادة لا تنفصل عن معركة الحرية والديمقراطية، ومن يفرط في أحدهما لن يحصل على الأخرى، ولنا في تجارب الماضي أعظم الدروس والعبر▪