أثبتت التجارب ومجريات الأحداث أن التربيات الحزبية ومنتجاتها لم تنتج مشاريع وطنية حقيقية بل انتجت عاهات محتقنة بقصر الرؤية وغياب الضمير الوطني والإنساني في الأغلب الأعم..فلم تكن الأحزاب السياسية حواضن التسامح والرقي الإنساني والالتزام الوطني المنشود، حيث تم إحلال الحزب والجماعة مكان الوطن (وحتى الدين أيضًا) في عملية مسخ للإنسان وبتر انفتاحه الروحي على الحياة والناس بالمطلق والحرص على تحويله إلى تابع مدجن وجزء من القطيع محدود الأفق مسطح الرؤية والانتماء.
والرؤية هنا لا تحاكم الأدبيات والمواثيق والصياغات الرنانة التي تحفل بها مكتوبات تلك الأحزاب والجماعات ، بل هي ترصد حقيقة الإفرازات والمواقف الفردية والجمعية لتلك التكتلات السياسية ، فقد كانت ومازالت حضورا تابعا للحاكم أو ضده متذبذة مهترئة غير متجذرة بالقيم الحقيقية الأصيلة ،التي جعلت تلك المواقف أقرب للحالة الانتهازية أو الثأرية أكثر منها حالة وطنية أو إنسانية ،إذ تتقوقع حول ذاتها ومشايعها الصغيرة تخدم الحزب والجماعة أكثر من تبنيها لمشروع الوطن والحياة والإنسانية.
إن الحالة العربية عامة واليمنية على وجه الخصوص أفرزت تكتلات كثيرة الألوان للعاهات أكثر منها مشروعات نخب وطنية وإنسانية ناضجة وعاملة من أجل الحياة وفي سبيل رقي الإنسان.
وإن تحدثنا عن استثناءات في هذا الباب فهي حالات نادرة ومحدودة جداً لا تكاد تذكر، ولم يرد لها أن تفعل الكثير والمؤثر في واقع الأمة وفي تفاصيل الأقطار ، التي مازالت لليوم غير قادرة على حكم نفسها بنفسها وبإرادة شعبها الحرة والواعية.
د. عبدالرحمن الصعفاني: غياب المشاريع الوطنية
التصنيفات: أقــلام