حسن عبدالوارث: من الذي أطلق الرصاصة الأولى ؟

لحظة اندلاع الموقف الناري صبيحة 13 يناير 1986 لم نعد نرى ضرورة للتوقُّف عند السؤال الغبي : من الذي أطلق الرصاصة الأولى ؟
لحظتها ، كانت هذه الوقفة ضرباً من الترف السياسي مضروباً في مائة درجة من الحماقة العقلية . ولهذا لم تعد الاجابة عن ذلك السؤال ذات أهمية حقيقية في أيّ وقت لاحق ، حتى هذه اللحظة .
كنا قد أيقنَّا وأتَّفقنا بعد واقعة 9 مايو 1985 أن من يطلق الرصاصة الأولى يعتبر مقترفاً لجريمة الخيانة العظمى شكلاً وموضوعاً .. لكن بعد سقوط كل ذاك الركام من الجثث خلال بضعة أيام ، صارت الخيانة العظمى ملتصقة بكل من رفع السلاح في ذلك اليوم والأيام التي تلته .
ذهبت دماء القتلى هباء ريح .. ولم يفقدهم غير ذويهم ، أما رفاقهم – من الفريقين – فقد راحوا يحصون المكاسب والخسائر الخاصة جداً . ولأول مرة نعرف بأن قيادة الحزب والدولة في الجنوب – من الفريقين – لم تكن بنظافة جيب ” سالمين ” يوم رحيله !
المتقاتلون اليوم – في يناير الجديد – لا يملكون طهارة الثورة ولا جسارة الدولة ولا تراث ذلك الحزب العتيد . هم يملكون أشياء كثيرة لا صلة لها اطلاقاً بكل تلك القيم الرفيعة والمُثُل العليا والأهداف العظيمة .. ولهذا ستكون دماؤهم أرخص من شروى نقير ، برغم أنهم لن ينزفوها ، وانما سينزفها غيرهم بالانابة عنهم .. كالعادة !
يناير الجديد ليس سوى اعادة انتاج لفكر شائه ونفسيات مُعتلَّة وقواعد أخلاقية منسلخة عن جذور الآدمية بكل معنى العبارة .
يناير الجديد هو ذاته يناير القديم بأسماء وصور وصفات جديدة .. ولكنهم نحن وليسوا آخرين على الاطلاق !