بدأ العدوان البربري السعودي الأمريكي على اليمن في 26/مارس ونحن في أوضاع تعاني من الضعف والإرتباك على كافة الأصعدة ، أغرت العدو السعودي بإمكانية إشباع شهيته وإبتلاع اليمن بسهولة . وكانت أخطر مكامن ضعفنا كدولة ومجتمع تكمن في المجال الروحي حيث كانت قد تضافرت جملة من العوامل مع جهود حثيثة قامت بها قوى خارجية وسايرتها نخب الحكم والمعارضة وهدفت إلى تكريس اليأس لدى المواطن اليمني وتبخيس كل ما هو وطني وتكريس الدونية وإحتقار الذات وزرع فكرة إستحالة العيش إلا على ما تتفضل به موائد اللئام . وأصبح من المألوف سماع إدعاءات تكتسي ثوب الحقيقة على غرار القول أن موقع اليمن الجغرافي لا يتمتع بأي أهمية ، وأن لا أحد في العالم يهتم لهذا الأمر ، وأن الانسان اليمني كسول ومرتش بطبيعته وإتكالي ، وإن القبائل اليمنية ليست سوى مجموعات من المرتزقة لا تقيم وزنا للأمانة والصدق والإخلاص . وأصبحت أوصاف إدوارد جلازر المتحيزة التي أطلقها في القرن التاسع عشر في كتابه (رحلتي في بلاد أرحب وحاشد) وفي كتبه الأخرى أو قول صاحب كتاب( حوليات يمانية ) أن اليمني لا دين له ولا مله وأن دينه الدينار بمثابة مسلمات مطلقة لدى المثقفين والمتعلمين . إلا أن هذه الحرب التي تدخل في مارس القادم عامها الرابع بكل وحشيتها وقساوتها سقت الفولاذ اليمني وأظهرت أثمن ما فيه من الخصال الحضارية والانسانية . فالقبائل دحضت التصورات الساذجة والمغرضة وهب ابناؤها بعتادهم وأموالهم إلى الجبهات ، والمقاتل اليمني أظهر شجاعة وحنكة وإيمانا بالله وبعدالة قضيته ، وأبدع وسائل تقنية ومهارات قتالية لم يكن أحد يتصورها . وبرزت المرأة اليمنية في أروع صور الصمود والبذل والعطاء والكرم ، وهل في الأرض أكرم من أمهات وزوجات الشهداء . والخلاصة هي أننا أمام يمن جديد وانسان يثق بقدرته على الدفاع عن وطنه في وجه أي معتد مهما بلغ جبروته العسكري والمالي ، انسان تحرر من عقدة الضعف المستدام وتبخيس الذات والإرتهان إلى الآخرين . إننا أمام بعث حقيقي لعالمنا الروحي ، عالم قيم الكرامة والحرية والإستقلال الوطني المنسجم مع روح الإنتماء القومي العربي التحرري والإحساس بواجب التضامن مع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها وكرامتها في كل أرجاء العالم . وهذا البعث الروحي يستحق ما تقدم لأجله من تضحيات وما نلاقيه من معاناة في حرب فرضها طغاة متوحشون ووضعوا الشعب اليمني أمام خيارين لا ثالث لهما : أن يكون أو لا يكون . وقد قرر أن يكون بجدارة برغم أن بعض أبناء هذا الشعب اختار أن يكون مطية للغزاة . يكفينا القول إن حربنا الوطنية ضد عدوان ضم أكثر من عشرة جيوش وجحافل من المرتزقة المحليين هي الحرب الوحيدة في العالم -تقريبا- التي يذهب الناس لخوضها طواعية بمن فيهم المنتمون إلى المؤسسات العسكرية والأمنية وكلما إشتدت ضراوتها إزداد عدد الملتحقين بالجبهات من غير أي إلزام أو قسر و إكراه !
د.احمد الصعدي: بعثنا الروحي
التصنيفات: أقــلام