قدم الدكتور محمد يحيى الحصماني في كتابه «الخطاب النقدي المعاصر، مناهجه وإجرءاته»، قراءاته الخاصة في دراسة المنهج النقدي في مجموعة من الرسائل الجامعية المنجزة في الجامعات اليمنية (صنعاء، عدن، حضرموت، تعز، ذمار).
وأكد الحصماني أن كتابه الصادر حديثاً عن دار أمجد للدراسات والنشر، عمان الأردن، في 300 صفحة من الحجم الكبير، ركز على الرسائل الجامعية باعتبارها أحد «أهم مصادر المعرفة الإنسانية في العصر الراهن إن لم تكن الأكفأ على تقديم معرفة علمية موثقة»، مبدياً ثقته بـ «صرامة شروطها وكثافة الإجراءات والمعايير التي تنتج في ضوئها».
وأشار إلى أنه سعى إلى تحقيق جملة من الأهداف من إصدار الكتاب أهمها: «استقصاء المناهج الرائجة في حقل الدراسات النقدية المنجزة في إطار الجامعات اليمنية وتتبع صيغ اشتغالها وأهم إشكالاتها». بالإضافة إلى «مقاربة الوعي المنهجي الماثل في تلك الدراسات ومعاينة كيفية تمثل الدارسين لمنطلقات مناهجهم ومدى إخلاصهم لجهازها الاصطلاحي وآلياتها الإجرائية».
مضيفاً أنه حرص أيضاً على «تعزيز فهم المنهج في شموليته، والإسهام في بلورة وعي منهجي تتكامل فيه الرؤية الأبستمولوجية مع الأداة الإجرائية، وتعميق الوعي بمعطيات المناهج النقدية، وطرق اشتغالها، وأشكال تحققها العلمي والمعرفي في صلب الممارسات النقدية الأكاديمية، أساساً لتطوير البحث العلمي والارتقاء به في الجامعات اليمنية».
ويرى المؤلف بأن الكتاب سيسهم في «لفت انتباه الباحثين وطلاب الدراسات العليا إلى ميدان الدراسات الجامعية، بوصفه حقلاً يمكن الانطلاق منه في اختيار موضوعات جديدة تلبي طموحهم وتحقق رغباتهم وتفتح لهم آفاقاً جديدة للدرس النقدي والمعرفة العلمية».
وقسم الباحث كتابه إلى تمهيد وأربعة فصول: تناول التمهيد نشأة النقد الجامعي، وتلمس دوره في تنشيط حركة النقد الأدبي المعاصر في اليمن، عارضاً حجم الإنجاز الجامعي من الرسائل النقدية وعوامل تطورها وازدهارها، وأنماط الخطاب المنجز، وأبرز موضوعاته وصيغ اشتغاله.
ودرس الفصل الأول المنهج التاريخي في الرسائل الجامعية في اليمن، على صعيد النظرية وأدواتها الإجرائية وخلفياتها النظرية، ومن ثم على صعيد التطبيق متخذا نموذجاً تطبيقياً هو «شعر عمر بن معد يكرب الزبيدي دراسة تحليلية نقدية»، على وفق: أهداف الناقد وخياراته المنهجية، والمتن والموضوع، والممارسة النقدية، والمعالجة التاريخية، والتنظيم والتأويل وأحكام القيمة.
في حين درس الفصل الثاني المنهج الاجتماعي وتجلياته في الرسائل الجامعية اليمنية، عبر: المهاد النظري، من مفهوم وأصول فلسفية، وروافد واتجاهات لهذا المنهج، ومن ثم القيام بالتطبيق الذي اعتمد على قصيدة المديح في الشعر اليمني الحديث 1938-1962، متطرقاً إلى طرائقها وأهدافها وإطارها المنهجي ومستنداتها المرجعية والممارسة النقدية.
وفي الفصل الثالث تم العمل على «المنهج البنيوي» عبر مهاده النظري وتوضيح إطاره المنهجي، وخلفياته وروافده واتجاهاته وأسسه ومنطلقاته وآليات التحليل فيه ومستوياته، ثم التطبيق على «بنية الزمن في قصص محمد أحمد عبد الولي القصيرة» أنموذجاً، مستكشفاً أهداف العمل ومنطلقاته ووعيه المنهجي ومستنداته المرجعية ومستويات التحليل لديه.
أما الفصل الرابع فقد تطرق إلى «المنهج الأسلوبي» وماهيته ومرجعياته وأصوله وامتداداتها واتجاهاته وآليات المقاربة فيه، ثم اتخذ نموذجاً للتطبيق وهو «الهجاء في شعر حسان بن ثابت دراسة أسلوبية»، متناولا المنطلقات النقدية والإطار المنهجي ومتن الدراسة والممارسة النقدية والتقويم الجمالي.
ثم أختتم الكتاب بأهم النتائج ومنها:
– تنامي الوعي المنهجي في الرسائل الجامعية بشكل مطرد لصالح المناهج النسقية النصية في مقابل تقلص مساحة المناهج السياقية، وكانت البنيوية والأسلوبية الأوفر حظاً من بين المناهج المتداولة في نظرية النقد، وغاب في المقابل الوعي بالمنهج النفسي إلا من إشارات طفيفة هنا وهناك، فيما سجلت مناهج القراءة والتلقي أدنى نسبة حضور؛ ربما لكون معطياتها الإجرائية لم تستقر بعد، ولم تأخذ حقها من التبلور على الصعيد التطبيقي.
– اتسم تعاطي الباحثين اليمنيين مع المناهج النقدية بمرونة عالية أفضت – في الغالب- إلى تناولها في إطار صيغة منهجية تكاملية تتناسل فيها مختلف المناهل والاتجاهات المنهجية أثناء الممارسة النقدية، سواءً بعلمٍ من الباحث أحياناً أو في غفلة منه في أحايين كثيرة، ولم يسلم من تداخل المعطيات النقدية لهذا المنهج مع ذاك أثناء الاشتغال التطبيقي إلا النزر اليسير من الرسائل بما في ذلك الرسائل التي تبنت وبوضوح منهجاً نقدياً محدداً، ربما بسبب التداخل الحاصل في طبيعة تكوين المناهج وتناسلها من بعضها.
– افتقر تعيين المنهج في كثير من الرسائل إلى تحديد دقيق للإجراءات العملية التي سيتخذها الباحث ويشتغل في ضوئها لتحقيق الرؤية المنهجية التي انطلق منها.
– انصب جل اهتمام الباحثين حول الجوانب التطبيقية والعناية بتحليل المتن المدروس وإغفال القضايا التنظيرية حتى في حدود المنهج المعلن إلا فيما ندر.
كما أوصت الدراسة بـ:
ضرورة الاهتمام بقضايا المنهج في الرسائل الجامعية وجعله الركيزة الأولى في قبول مشاريع الخطط البحثية أو رفضها، وكذا الانفتاح على مختلف التوجهات النقدية والإفادة من كشوف المنهجيات الحديثة في مجال القراءة والتلقي والسيميولوجيا، ومناهج ما بعد الحداثة عموما. وكذلك تحديد مساقات دراسية خاصة بالمناهج النقدية وتطبيقاتها ضمن مفردات الخطة التدريسية في أقسام اللغة العربية. وبناء قاعدة بيانات عامة بالرسائل المناقشة في الجامعات اليمنية وتحديثها باستمرار وربطها شبكيا مع مختلف الجامعات. وتفعيل المواقع الإلكترونية للجامعات اليمنية ومواقع الدراسات العليا وإلزام المعنيين بعمل ببليوجرافيا دورية بالرسائل المناقشة وتحديثها أولاً بأول.
“العربي”
الخطاب النقدي المعاصر في قراءة أكاديمية للحصماني
التصنيفات: أخبار وتقارير,ثقافــة