ذكرى الثلاثين من نوفمبر1967 العيد “الذهبي” لثورة الرابع عشر من أكتوبر لاستقلال الجنوب اليمني بعد استعمار بريطاني استمر طيلة مائة وثمانية وعشرين عاماً. لكي نقيم ثورة أكتوبر، وهي حركة تحرر وطني، تعتبر الثانية بعد ثورة الجزائر في الوطن العربي الذي قادته أداة ثورية تقدمية شاركت – إلى جانب تيارات سياسية عديدة – النضال السلمي والنقابي المطلبي لما يقرب من ربع قرن. وعندما وصل الكفاح السلمي الذي شارك فيه تيار سياسي ونقابي عمالي واسع: رابطة أبناء الجنوب، ومن الأحزاب والتيارات الحديثة: حركة القوميين العرب، والبعث، والتيار الماركسي، والناصري- إلى زقاق مسدود، فتح السبيل أمام الكفاح المسلح. الكفاح المسلح أيضاً قادته الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني، وهي جبهة واسعة وعريضة: حركة القوميين العرب، التيار الناصري، وعدة منظمات قبلية ومناطقية صغيرة.
انفردت حركة القوميين العرب والناصريين بتبني الكفاح المسلح، وكانا في الأساس تياراً قومياً ذا أفق سياسي متوافق، وإن تمايزا واختلفا باكراً في اليمن، وفي مركزه الرئيسي لبنان بعد هزيمة 1967.
انخرط هذان التياران في الكفاح المسلح، مدعومان بالتيار الماركسي، ممثلاً بحزب اتحاد الشعب الديمقراطي، وزعيمه المفكر التقدمي عبد الله عبد الرزاق باذيب، وصحيفتهم (الأمل) التي تعرضت للإحراق عام 1966.
في العام 1966، فرضت مراكز القوى المصرية الدمج القسري بين الجبهة القومية، وجبهة التحرير، وأدى الدمج القسري إلى بلبلة وارتباك في صف المقاتلين. استطاعت الجبهة القومية في 13 من يناير استعادة زمام المبادرة بالانسحاب من الدمج، ومواصلة الكفاح المسلح، ونقله لمدينة عدن؛ مما سرع بالهزيمة المحتومة للاستعمار، وإعلان الانسحاب.
تزامن انسحاب آخر جندي مصري من الشمال، مع انسحاب آخر جندي بريطاني من عدن. لا يمكن دراسة استقلال الجنوب، وقراءة تجربة التحرير هناك بمعزل عن الوضع السياسي والاجتماعي في الجنوب خاصة واليمن عامة، والوضع الثوري في الوطن العربي، ودور السوفيت حينها، وحركات التحرر الوطني التي كانت تجتاح القارات الثلاث، وغروب شمس الاستعمار عن العديد من بلدان العالم.
يعتقد اليمنيون – ومعهم حق- أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كانت رداً على انفصال سوريا عن مصر، وأن التسريع بالاستقلال في الجنوب، وانتصار ثورة الـ14 من أكتوبر كان رداً على هزيمة 67، وأيضاً لتعزيز صمود صنعاء في وجه الحرب الملكية ضد ثورة سبتمبر، ومواجهة للحصار المحتشد من حول صنعاء.
ماذا ننتظر اليوم بعد تآكل الثورة اليمنية كشقيقاتها العربية، وتجريف الحياة السياسية، ونشر الفتن والحروب والإرهاب في عموم الوطن العربي؛ للقضاء واستئصال شأفة الربيع العربي، وتدمير مراكز التمدن والتحضر في الوطن العربي كله؟
الحرب الممتدة في اليمن كله سيدة الموقف، والتفكك ينتشر في أجزاء الوطن؛ حيث يتم إعادة الوطن كله إلى مكوناته الأولى. هل يمكن عزل ما يجري اليوم عن ما جرى بالأمس والأمس القريب؟ هل حالة التفكيك والتمزق والحرب قدر لا فكاك منه؟ لماذا حالتي الهمود والترقب تعم الأرض اليمنية والعربية؟
المؤرخ اليمني الخزرجي يقول: “إن لليمنيين وثبات كوثبات السباع”. ذات يأس ومرارة رثى شاعر الوطنية محمد محمود الزبيري الشعب اليمني، ولم تمضِ إلا بضعة أعوام حتى وثب اليمنيون ليعلنوا ثورة سبتمبر وأكتوبر المجيدتين.
المفكر المصري الكبير جمال حمدان شبه الشعب المصري بالنيل يهمد زمناً، ثم يفيض ليغمر وادي مصر. اندهش العالم، وبالأخص الدوائر الاستعمارية التي كانت تعتقد أن الأنظمة الفاسدة والمستبدة التي ساهمت في صنعها وحمايتها راسخة رسوخ الجبال، وفجأة تنهار باحتجاجات سلمية، انخرط فيها الشعب العربي من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.
الوطن العربي كله يتعرض للتدمير، والتجويع، والتقتيل، ونهب الثروات حتى امتصاص الدم.. ولا خلاص إلا بالثورة الشعبية السلمية.
لا ينبغي أن ننتظر، بل لا بد من رمي أكثر من حجر في أكثر من بركة آسنة ومتعفنة؛ لتتحرك الدوائر فيها.
ما يصنعه الطغاة وأسيادهم زائل.. ما تصنعه الشعوب هو الأخلد والأبقى!