في كل زمان ومكان – بل في كل يمان – يزدحم المشهد الثقافي والإعلامي ، والإبداعي عموماً ، بفئة ” الأدعياء ” ممن يختلقون هرجاً ومرجاً في هذا المشهد ، حتى يختلط الغثّ بالثمين ، ويتشابه البقر على أُمّة آمين .
ولطالما احتدمت المعارك بين أهل الفكر والإبداع وهذه الفئة القميئة .. ولا زالت محتدمة حتى هذه اللحظة .. غير أن معظم ضحاياها كان من المبدعين والمفكرين وليس من الأدعياء .. وربما لهذا السبب قال أحدهم ( وقد أختلف القوم في هوية أحدهم هذا ، أيكون الإمام علي أم الأمام الشافعي ! ) : ” ما جادلتُ عالماً إلا وغلبته .. وما جادلتُ جاهلاً إلا وغلبني ” .
حكى لي أديب اليمن العظيم عبد الله البردوني واقعةً تعكس أحدى تجلّيات هذا المشهد :
في القرن العاشر الهجري ( نحو 16 للميلاد ) ضجّت مدينة صنعاء بأدعياء الأدب .. وكان من أشهرهم أحد المنتسبين إلى بيت السراجي ، الذي ما أن يعثر على قصيدة بديعة حتى ” يلطشها ” ويدّعي أنه قائلها ، فبلغ خبره الشاعر الكبير سعيد السمحي فقال يهجوه :
” ثكلْتُكُم بني الآدابِ اِنْ لم … تبثُّوا في الورى طُرُقَ الأهاجي
فليس يُعَدّ في الأدباء من لا … يبولُ معي على نار السراجي ” .
ولم يَطُل الأمر حتى أجابه شاعر صنعائي ظريف ، نسيتُ اسمه للأسف :
” ألا سمعـــــاً لأمركَ يا سعيدٌ … وطوعــاً ما حَيِيْتَ وما حَيِيْنا
أمرتَ بأن نبولَ على السراجي … فها طوعاً لأمرك قد خَرِيْنا ” .
وكم نحن اليوم في مسيس الحاجة إلى تنفيذ هذا الأمر المُطاع ، ليس في وقائع أدعياء الأدب والفن والإبداع فحسب .. إنما في شأن الأدعياء في كل مضمار ومجال ، فقد تكاثروا كالبيكتيريا !