أعترف بأن ميديا العمالة والارتزاق أبرع من غالبية وسائط الميديا الوطنية اليمنية، سجالاً وملاسنةً وحرفية واصطياداً في بحر الرأي العام المحلي والإقليمي؛ بالنظر إلى جسامة وتعقيد المهمة التي تنوء بها الأولى في مقابل الأخيرة.
ميديا العمالة والارتزاق منوطة بأن تواري سوآت أكثر الجلادين وأكلة لحوم البشر جرماً وتوحشاً وانفضاحاً على مر التاريخ، وهي تؤدي هذا الدور بالغ التعقيد لقرابة ثلاثة أعوام، بجدارة ينبغي الإقرار بها، بينما تتعثر الميديا الوطنية وترتبك أمام مهمة هينة تتمثل في تظهير أشلاء ضحايا مجازر هي الأكثر سفوراً ووفرة ومثولاً للعيان على مر التاريخ!
يقف العميل والمرتزق عارياً متكسباً بالأثداء وسط مستنقع الخيانة، وباعتداد وجرأة وبسالة ينافح عن صوابية عهره بوصفه ذروة الشرف وسنام الوطنية وعمود الدين. وعلى الضفة المقابلة، يقف المداخل الوطني في اختلاج محيط من دواعي ومسوِّغات الزهو والفخار وسطوع الحقائق ومشروعية الطموح، فيتلعثم ويتعرق جبينه وتفلت البراهين والحجج والكلمات من بين أصابعه وشفاهه ويتعجل صافرة انتهاء السجال ونجدة أزوف الوقت. كم ضخم من كنوز الإعلام الحربي يجري تكويمه في الفضائيات كيفما اتفق
قال الزعيم القائد، بشار الأسد، في العام الثاني من الحرب على سوريا: (هم أقوياء في الفضاء ونحن أقوياء على الأرض، وقريباً سنكون أقوياء في الفضاء وعلى الأرض…)، وهذا ما حدث بالفعل، فأمكن للخطاب الإعلامي السوري أن يلحق هزيمة نكراء بالآلة الإعلامية الجبارة للعدو بعدد محدود من الأقنية الفضائية الوطنية مقرون بحصافة التناول ونجاعة توظيف المعطيات والمتغيرات في الصراع الدائر وقدرة الخطاب الإعلامي على استيعاب وترجمة الأبعاد الإستراتيجية للصراع، جنباً إلى جنب مع الخطاب السياسي للقيادة السورية، كما وتقريبها وبسطها للرأي العام، علاوة على براعته في انتقاء مضامير الإشتباك مع العدو دون الوقوع في فخ الإستدراج إلى الهوامش وشراك المضامير الرخوة.
لم تضاعف الجمهورية العربية السورية عدد الأقنية التي تراجع عددها إلى أقل مما كان عليه قبل الحرب بفعل قرصنة التحالف الكوني المعادي، لكن صانع القرار السوري ركز على طبيعة الخطاب الإعلامي، فأحدث انقلاباً في مدخلاته وأشكاله ومراميه وحساسيته لجهة مواكبة الإيقاع السريع للأحداث بمنأى عن رتابة المسافة التقليدية بين الإعلام الرسمي والشارع المحلي، بحيث استطاع أن يجعل من المتلقي المحلي والعربي شريكاً فاعلاً للدولة السورية في مواجهة تحالف الحرب الكونية على سوريا.
غير بعيد من مقولة الزعيم بشار الأسد الآنفة التي اختزلت أبعاد الإشتباك وطبيعة الرهان السوري الوطني فيه على عتبة سنواته السبع، يحذر سيد الثورة، عبد الملك الحوثي، ـ في أكثر من خطاب له ـ من مقاربة عوامل النصر في الصراع بحساب فارق العتاد والتقانة بيننا وبين العدو، فمقاربة من هذا القبيل هي انزلاق في فخ القنوط ومن ثم الرضوخ لأهداف العدوان سلفاً ودون مقاومة. كما أنها تجديف خارج الحقائق الموضوعية للواقع وللتاريخ الحافل بانتصارات مدوية لم يكن تفوق العتاد ووفرته عامل حسم فيها.
يتعين علينا هنا ـ تحرياً للإنصاف ـ أن نبرئ ساحة الإعلام الحربي اليمني الذي نجح بجدارة في إعطاب جنازير الآلة الإعلامية الكونية الهائلة للعدو، موسداً أطهر وأزكى الرؤوس الشابة على مذبح الحقيقة ومهراً لها. على أن كماً ضخماً ونوعياً من كنوز الإعلام الحربي يجري تكويمه اليوم في الفضائيات الوطنية كيفما اتفق، عوضاً عن نسجه واستثماره بما يليق بقيمته الكائنة بالفعل ولا يعوزها جهد الغوص.