لاينطلي على أحد أن الجماعات الإرهابية المنتشرة في البلدان الإسلامية لم تظهر بين ليلة وضحاها ولم تصبح قوية بهذا الشكل إلا بمساعدة ودعم من الدول التي ترى مصالحها في اندلاع الحروب والفتن في الأقطار العربية الإسلامية. وتأتي على رأس هذه الدول إسرائيل التي تسعى ما تعسى إلى تفتيت الجسد العربي إربا إربا كي لايكون هناك خطر على أمنها من جانب أشقاء فلسطين العربية الإسلامية.
وفي الزمن الراهن وقعت بعض الأقطار العربية في ظروف لايحسد عليها وليست أعداءها بحاجة لتخوض في حرب ضدنا بل كل ما عليهم فعله هو أن يثيروا نار الفتن الداخلية ومن أجل ذلك تساعد الجماعات المتطرفة الإرهابية إما بالعتاد والدعم اللوجستي وإما بإدخال عناصر تابعة لهم في صفوف هذه الجماعات وإيصالها إلى رأس القيادة في مناطق مختلفة من البلدان العربية.
فهناك تقارير تثبت انضمام جواسيس إسرائيليين وعناصر من جهاز “سي. آي. إي” إلى صفوف جماعة داعش الإرهابية في بعض البلدان العربية ومحاولتهم الوصول إلى مراكز قيادية عسكرية أو دينية في هيكلية التنظيم وتثبت التقارير أنه في المواقف الصعبة الحرجة التي تتعرض هذه العناصر للخطر تسرع الأجهزة الأمنية إلى إنقاذ عناصرها وإخراجهم من ساحة المعركة.
تشير إحدي التقارير إلى هذا التدخل الأجنبي في ليبيا وذلك كان في سنة 2016 عندما كانت قوات “البنيان المرصوص” التابعة لـ”الوفاق” الليبية على وشك السيطرة الكاملة على ميناء سرت البحري وكانت قاب قوسين أو أدنى من اقتحام مقر قيادة تابع داعش يعتقد أنه كان بين قياداتها عدد من ضباط استخبارات أجانب ففوجئت قوات “الوفاق” بهجوم أمريكي ولم يسمح لها بالتقدم نحو مقر الجماعة مما أدى إلى هروب قيادات داعش من المنطقة. وقد أطلقت الطائرات الأمريكية النار على بعض القوات الليبية التي اقتربت من مقر القيادة وتركتها بين قتلى وجرحى وهاربين خوفا على أرواحهم.
وفي هذا السياق أكد مسؤول أمني جزائري بأن أجهزتهم الاستخباراتية حصلت على معلومات سرية في تاريخ 21 أغسطس 2017 تكشف عن أنشطة تجسس إسرائيلية في عدة بلدان إسلامية منها ليبيا وتونس والجزائر. وتفيد المعلومات بأن عناصر من الموساد قاموا بتزييف أسماء وجوازات سفر فلسطينية وسورية ولبنانية وتركية ومن ثم انضموا إلى جماعة داعش الإرهابية وباتوا يمارسون أنشطتهم التجسسية في ليبيا وتونس والجزائر. يذكر أن هذه العناصر تابعة لوحدة المستعربين وتعتبر من أمهر ضباط التجسس في البلدان الإسلامية.
وفقا للمعلومات التي كشف عنها الجهاز الاستخباراتي الجزائري إن هؤلاء الجواسيس يتقنون اللغة العربية ويدخلون من ليبيا إلى تونس بسهولة إما عبر الخطوط الجوية أو عن طريق معبر ذهيبة الحدودي. وقسم آخر منهم يعملون تحت غطاء خبراء النفط في ليبيا ويحملون جوازات سفر ليبية تسمح لهم بالدخول في تونس والجزائر.
ويعزز هذه المعلومات الخبر الذي تناقلها وسائل الإعلام مفادها أن الأجهزة الأمنية قبضت على شخص يدعى “ابوحفص” غربي ليبيا وقد اعترف ابوحفص هذا في جلسات الاستجواب بأن اسمه الحقيقي “بنيامين أفرايم” وهو من ضباط الموساد والذي دخل ليبيا سنة 2015 وانضم إلى جماعة داعش غربي ليبيا وانتقل مع عدد من عناصر الجماعة إلى بنغازي وتم إختياره إماما لإحدى المساجد هناك. يذكر أنه كان يحمل جواز سفر ليبي وقد دخل ليبيا خمسة مرات من بداية عام 2015.
هذا وسبق أن قامت الاستخبارات الجزائرية برصد تحركات جماعة داعش وجواسيس الموساد في شمال إفريقيا وقد زودت “وزارة الداخلية” و”جهاز الاستخباراتي التونسي” بمعلومات وتفاصيل هامة عن نشاطات الجماعة الإرهابية وطالبتهما بتوجيه ضربات قاضية لخلايا داعش في أسرع وقت ممكن. إلا أن عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة من الجانب التونسي أثار غضب الجزائر حيث إنها مارست الضغط على الرئيس التونسي لكي يقوم بتحسين الأمور في وزارة الداخلية من خلال إقالة الهادي مجدوب واستبداله بشخص آخر في الداخلية التونسية.
وأكد ضابط استخباراتي طلب عدم الكشف عن هويته بأن الاستخبارات التونسية لاتمتلك استقلالية في العمل ويعتمد وزير الداخلية على سفارات غربية ترى من مصالحها الحضور الداعشي في بعض المناطق، الأمر الذي يحول دون القيام بأية إجراءات تونسية ضد العناصر المشبوهة وقد أدى ذلك إلى استياء الجزائر من الحكومة التونسية.
فهذا التقرير يعزز الاعتقاد بأن هناك عناصر تابعة لـ”سي. آي. إي” والموساد تغلغلت في تنظيم داعش الإرهابي وعندما تعرض جواسيسها لخطر يهدد حياتهم فتتدخل الأجهزة الأمنية لإنقاذهم في الوقت المناسب. وتكررت القضية نفسها في مناطق من سوريا والعراق فكلما وقعت عناصر قيادية تابعة لجماعة داعش في موقف صعب وضيق الخناق عليها تم إنقاذها بتدخل استخباراتي بحيث قامت الطائرات الأمريكية والإسرائلية بغارات جوية على المنطقة المحاصرة ووفرت الفرصة لهروب العناصر الاستخباراتية من ساحة المعركة.
وعليه يأتي ضرورة على البلدان العربية الشقيقة أن تضع الخلافات جانبا وتقوم بالتعاون في المجالين الأمني والعسكري للحيلولة دون هذه المؤامرات ومثل هذه النشاطات التجسسية على أراضيهم مما تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في هذه البلدان.
“الرأي التونسي”