كان الزعيم النازي أدولف هتلر (1889-1945) حصيلة ظروف وعوامل موضوعية معقدة، تناقضات عصر وأمراض أمة، هيأت التربة ليزرع فيها جنون عظمته الشخصية ونزعته العسكرية العدمية، وإيمانه الراسخ بالقاعدة الرومانية القديمة: يحق للقوي ما لا يحق للضعيف.
فهناك نزعة التفرد الشوفينية التي لم يسلم منها فلاسفة كفريدريك نيتشه (1844-1900) الذي بشر بنهاية أخلاق الفضيلة والرحمة والنزعة الانسانية وبسيادة الناس الأعليين، أولئك الشقر الماكرين وهنالك النزعة العسكرية المتجذرة في التقاليد الألمانية التي وصلت عند البعض إلى حد كراهية كلما يشير إلى السلام كما عبر عن ذلك صراحة مولتكه عام 1874 بالقول: ( إن السلام الدائم حلم وفضلا عن ذلك فهو حلم قبيح) وكأنه يرد بهذا القول على كتاب إيمانويل كاونت: (مشروع السلام الدائم) الذي صدر عام 1795.
زد على ذلك خروج ألمانيا مهزومة في الحرب العالمية الأولى وخسارتها مستعمراتها الأفريقية ، وتخليها عن الإلزاس واللورين، وإرهاقها بالتعويضات المالية التي فرضها عليها الطرف المنتصر. هكذا رأى الألمان بلدهم يتقزم في ضل تنافس محموم بين الدول الإمبريالية للسيطرة على العالم في مرحلة بلوغ الرأسمالية أعلى مراحلها، وذلك ما فصله فلاديمير لينين (1870 -1924) في كتابه الشهير (( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية )) . أراد هتلر أن يحقق عظمة ألمانيا المتخيلة ، وأن يجسد الفكرة الأسطورية عن تفوق وتفرد الجنس الآري وأن يحقق من خلال ذلك عظمته وإستثنائيته الشخصية فدخل في حرب قتل فيها عشرات الملايين ، ودمرت مئات المدن وعشرات آلاف البلدات والقرى ، وعم الخراب أوروبا ومساحات واسعة من آسيا وأفريقيا ، إلا أن أحلامه التي أراد لها أن تشاد فوق أراض مغطاة بالجثث مروية بالدماء إنهارت . ويوم دخل الجيش الأحمر السوفيتي برلين أدرك الزعيم النازي الحقيقة المرة فسدد طلقات مسدسه على رأسه في ثلاثين أبريل 1945، كما تقول معظم روايات نهايته .
لم يكن هتلر هو الوحيد في التاريخ من استهان بحياة الملايين ، بل وجد ويوجد من يستهين بها من غير أن يكون له هدف غير الإنتقام أو التنفيس عن غيرة صواحب يوسف.
آخر هؤلاء الشيخ عبدالله هتلر الذي أطل من شاشة ((الشرعية)) المغتربة ليقدم بحماس ((شاعري)) حياة أربعة وعشرين مليون يمني من أجل أن يحيا مليون واحد بحرية !.
لو كان ما يقوله هتلر الملتحي ممكن التحقق
أي أن قتل أربعة وعشرين مليون مواطنا يمنيا سيؤدي إلى أن يحيا المليون الباقي بحرية لإعتبرنا ذلك نوعا من الداروينية الإجتماعية في أقبح درجاتها توحشا ، إلا أن الواقع أسوأ من ذلك . فالقاتل للمواطنين اليمنيين، والذي يباركه الشيخ هم معتدون يتقدمهم عيال سعود وعيال زايد ومن خلفهم أمريكا وربيبتها إسرائيل ومن سيتمتع بحرية العبث باليمن و أهلها هم الغزاة السعوديون والإماراتيون في البر والأمريكان والصهاينة في البحر والجزر ( وإسأل الجنرال الصهيوني شاؤول شاي يا فضيلة الشيخ) . أما الحرية المزعومة التي يتحدث عنها الغزاة ومرتزقتهم فقد أزهرت وأثمرت و أنضج ثمارها نجده ممثلا بالسجون السرية لكتائب محمد زايد ، وهي سجون مرعبة كما تدل الوقائع إلى حد أن الشيخ أو أي فرد من جماعته لو دخل إحداها ومكث ساعتين فقط لاعتبر خروجه ميلادا جديدا ، ولكره اليوم الذي قرر فيه أن يكون شيخا وواعظا وسياسيا ولأقر بالحكمة الشعبية القائلة (( ياليت والله وربي ما خلق لي روح – وأنا حجر من حجار السايله مطروح)) .
كان الشيخ عبدالله صعتر خطيبا مفوها في شارع الستين من ذلك أنه كان خطيب جمعة (لا حصانة للقتلة ) في11/11/2011 وجمعة ((مطلبنا المحاكمة)) في 16/12 وكان الشعاران موجهان ضد علي عبدالله صالح و أركان حكمه ولم يكن ضمن مطلب المحاكمة محاكمة مرتكبي جريمة مسجد دارالرئاسة التي عدت عملا بطوليا في رأي أصحاب هذا الوعي القانوني الأعرج ، مع أن الغدر غدر سواء استهدف علي عبدالله صالح أو إبراهيم الحمدي ، الإمام يحي حميد الدين أو شباب الثورة الأبرياء ، وليس مصادفة أن يسمي أصحاب أولى القواميس العربية المسدس ((غدارة)) .
عادة ما يعرف الشيخ عبدالله بالمهندس و في هذا الشأن نذكر له زميلا في المهنة هو المهندس الكاتب العظيم الروسي فيودر دستيوفسكي صاحب الروايات المعروفة (( الإخوة كرمازوف)) و ((الجريمة والعقاب )) و ((الأبله )) وغيرها كثير ، والذي سجنه القيصر وحكم عليه بالإعدام لأسباب سياسية ولم يتراجع القيصر عن تنفيذ الحكم إلا قبل دقائق من تنفيذه . هذه التجربة المرة ، تجربة السجن ويقين الموت لم تجعل من دستيوفسكي حاقدا كارها لحياة الملايين بل ظل ينشر تعاطفه الصادق النبيل مع بسطاء الناس الباحثين عن الحياة الكريمة وهو القائل أنني لا أقبل تحقيق الإنسجام في العالم إذا كان ثمن ذلك دمعة طفل ، وجملته الشهيرة في رواية(( الأبله)) التي قالها بطل الرواية عن الفتاة آجلايا واصفا جمالها بأنه يغير أو ينقذ العالم صارت شعارا وأملا في إنقاذ الانسانية من الكوارث المفتعلة والحروب لاسيما النووية استنادا إلى قيم الخير والجمال.
تقول حكمة صينية في الإجابة عن سؤال كيف تنظف قلبك من الشر ، إملاءه بالخير ولن يجد الشر مكانا فيه ، وعكس هذه العبارة صحيح ، كما يقول إيليا أبو ماضي ((والذي نفسه بغير جمال – لا يرى في الوجود شيئا جميلا)) . وليس غريبا عن من تفصله عن الخير والجمال أربعة وعشرين مليون سنة ضوئية أن يستهين بحياة أربعة وعشرين مليون مواطن يمني .