يقول الدكتور عصمت سيف الدولة في كتابه الموسوم بعنوان ( هل كان عبد الناصر ديكتاتوريا ) أن رمسيس الثاني ( فرعون مصر ) زور التاريخ ونسب كل بطولات ومنجزات رمسيس الأول لنفسه ، وبلغت به الوقاحة حسب الدكتور عصمت أن أعاد نقش الصخور والألواح لينسب كل جميل له ولعهده ، ويستطرد الدكتور عصمت بتحليلاته العلمية مستشهدا بأكبر وأعظم فلاسفة ودكاترة علم النفس ليؤكد أن هواة تزوير التاريخ وأحداثه هم أناس ( جبنا ، مترددين ، متخاذلين ، كسالى ، عاجزين ) ولا يجدون غير أن يكونوا ديكتاتورين ، والديكتاتور هو إنسان ضعيف الشخصية وجبان ، لكنه إذا امتلك عوامل القوة والسلطة يتحول آليا إلى ( طاغية ) وهذا حال بعض رموزنا الذين زورا حقائق التاريخ ونسبوا الأحداث العظيمة لغير أبطالها ، نكاية بأولئك الأبطال وحتى لا يتحولوا إلى أساطير في الذاكرة الجمعية الشعبية ..
الأمر الأخر فان تزوير التاريخ لم يأتي كفعل عابر أو هفوة ( مؤرخ ) بل هو نتاج فلسفة مقصودة وهدف الكثيرين من الحكام والوجهاء الذين عايشوا تلك الأحداث ، وعملوا بقصد على تجيير الأحداث ونزع الأدوار البطولية عن أصحابها الحقيقيين الذين صنعوها بشكل مباشر أو الذين ساهموا بصناعتها أو كان لهم الفضل في صناعتها ..في تاريخنا القديم والحديث والمعاصر ، هناك أبطال ورموز يفترض أن نحني لهم الهامات ونبجلهم ونزرع سيرتهم وما قاموا به وقدموه لوطنهم في وجدان وذاكرة الأجيال اليمنية المتعاقبة ، ولكن للأسف تم مصادرة بطولات هؤلاء الأبطال، إما بالتهميش وطمس سيرهم أو بنسب تلك الأدوار لأشخاص آخرين كانوا حاضرين الوقائع ،ولكن كانت أدوارهم عكسية ومناهضة لأولئك الأبطال، الذين فرضوا خياراتهم ، ولكن للأسف جيرت لخصومهم ..!!
أن تزوير التاريخ وبحسب المفكر القومي الدكتور عصمت سيف الدولة _ رحمة الله تغشاه _ ليس حكرا على اليمنيين بل حتى ( الفراعنة ) اشتهروا بهذا السلوك ، لكن يبقى هناك من كشف وفضح تزوير ( الفراعنة ) ويبقى تاريخنا بحاجة إلى من يعيد صياغته وتصحيح أحداثه وإعطاء صناعه حقهم سلبا أو إيجابا ، نعم لا نريد تاريخ ( يشيطن ) البعض و ( يقدس ) البعض الأخر ، نريد تاريخ يسرد لنا الأحداث كما حدثت ، ويسرد لنا مواقف وتصرفات أبطاله كما وقعت ويعطي أطرافه مكانتهم وينقل لنا أدوارهم السلبية والإيجابية كما قاموا بها لا كما يريدها الطرف الذي انتصر في تلك الوقائع والأحداث ، نريد تاريخ يسرد لنا بصدق وموضوعية عوامل انتصار المنتصر وأسباب هزيمة المهزوم ..
إننا مطالبين بإعادة الاعتبار لرموز تاريخنا الحديث والمعاصر ، بصدق وشرف ونزاهة وحيادية ، ونعيد النظر في الروايات والقصص والحكايات التي سوقها البعض لنا عن هذا التاريخ ..دون أن ننسى أو نتجاهل تاريخنا القديم وأهمية إعادة صياغته بموضوعية ومصداقية بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الأحداث وصناعها والمستفيدين منها ..
أن حل معادلة الهوية الوطنية وتكريسها كقيم وأخلاقيات وسلوكيات ، مرهون بإعادة تصحيح تاريخنا ، بعيدا عن رغباتنا أو نزوعنا الذاتي نحو الانتصار لهذا الطرف او ذاك أو إبراز مرحلة وتعظيمها وتسفيه أخرى وتهميشها ، نريد نعرف تاريخنا كما حدث وحدثت وقائعه ، ونريد نعرف أبطاله وخونته بصدق وأمانة علمية مجردة من كل النوازع الذاتية والرغبات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية ..
أن إعادة النظر بتاريخنا والبدء بتصحيح مساراته ،هو العمل الوطني الذي به ومن خلاله سنتمكن من تجذير قيم الهوية والانتماء ، وسنتمكن من وضع أسس سليمة لبناء دولة المؤسسات والنظام والقانون والمواطنة المتساوية والعدالة والكرامة والسيادة ..
أن حل جدلية ( الدولة والهوية ) فعل يصعب بل يستحيل تحقيقه بدون أن نبدأ أولا بتصحيح وقائع التاريخ وأحداثه وإعادة الاعتبار لصناعه ورموزه _ سلبا وإيجابا _ بصدق وموضوعية وحيادية _ ودون تعصب بأي اتجاه وبدون استلاب الوقائع والأحداث أو تحريفها او الانتقاص من رموزها ..بهذا السلوك فقط يمكننا بناء مجتمع وطني وتجذير هوية وطنية وبناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون ..
أن تاريخنا يحوي كمية هائلة ومفزعة من المغالطات والأكاذيب والمزاعم التي اتخذت لها أبعاد طائفية ومناطقية ومذهبية وعصبوية ، وتم تكريس قيم ومفاهيم تاريخية بذاتها وتخدم أطراف بذاتها وهذا ما جعلنا نواجه اليوم الكثير من العقد والتعقيدات المركبة ذات الصلة بوقائع التاريخ ،التي فرضها البعض وتجرع غصتها البعض الأخر ، والمؤسف أن تاريخنا القديم والحديث والمعاصر يلقي بظلاله اليوم على أزمتنا الراهنة ،التي لا تخلوا من احتقانات التاريخ وغصصه وتحريف حقائقه لخدمة رموز على حساب الوعي الجمعي للشعب وعلى حساب مسار وتوجهات وهوية وطن بكل مقوماته .
أن التاريخ ليس ملكا لإفراد ورموز إنه ملكا لوطن وشعب ، وبالتالي يجب تصحيح التاريخ، لنبدأ بداية صحيحة تمكنا من بناء وطن وتوحيد هوية شعب ، وتأسيس دولة مواطنة متساوية حقيقية .
طه العامري : هل حان الوقت لنعيد الاعتبار لتاريخنا ؟!
التصنيفات: أقــلام