Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الفريق عبدالمنعم خليل يكشف تفاصيل مشاركة مصر في ثورة الـ 26 سبتمبر

محمد الحمامصي*

تمثل “مذكرات الفريق عبدالمنعم خليل.. حروب مصر المعاصرة” تسجيلا دقيقا وفريدة لمسيرة قائد عسكري شهد أحداث ووقائع غاية في الأهمية في التاريخ العربي الحديث عامة والمصري خاصة، وشارك في جميع الحروب المعاصرة ما بين عام 1942 حتى عام 1973 وأبرزها حرب اليمن بين 1962 ـ 1965 وحروب مصر وإسرائيل في 1967 وحرب الاستنزاف ثم حرب 1973، وقد صدرت هذه المذكرات أخيرا عن دار الكرمة، وهي لا تحمل رأيا صريحا في الأحداث والوقائع سواء ما كان منها سياسيا أو حربيا بقد ما تسجل التفاصيل وتترك للقارئ مهمة تقييم الموقف وأبعاد ما آل إليه من نصر أو هزيمة.

ولأن الفريق عبدالمنعم خليل كان رئيس عمليات القوات المصرية التي قاتلت في اليمن بين 1962 ـ 1965، فقد خصص فصلا كاملا بعنوان “مصر وثورة اليمن.. العملية 9000: 1962 ـ 1967” كشف فيه عن تفاصيل ما واجهه الجيش المصري في اليمن، ومواقف القيادات العسكرية على الجانبين المصري واليمني، فمثلا أشار إلى أن الرئيس أنور السادات كان أول من تحمس لإرسال قوات مصرية لليمن. وسوف نتوقف عند هذا الفصل وجانب من التفاصيل التي أوردها اللواء خليل، كون الكثيرون لا يعرفون تفاصيل ما جرى في اليمن والكيفية التي تورط بها الجيش المصري، حيث تغلب الشائعات على الحقائق في هذا الأمر.

يقول الفريق خليل إن القاهرة كانت خلال شهر أغسطس/آب 1962 على علم بوجود تنظيم للضباط الأحرار فى اليمن يقوده العقيد على عبدالمغنى، وأن هذا التنظيم يرتب للقيام بانقلاب على حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الطاغية كما كانوا يسمونه هناك

 

 

، وكان أنور السادات على علاقة ببعض اليمنيين هنا وهناك، وكان تقدير مصر الرسمى فى حالة حدوث ثورة يمنية ضد حكم الإمام أحمد هو أن السعودية في الشمال والإنجليز في عدن بالجنوب قد يقفون ضد الثوار ويدعمون موقف الإمام أحمد.

ولما توفي الإمام أحمد خلفه ابنه الأمير محمد البدر ولي العهد وفي صباح يوم 26 سبتمبر/أيلول 1962 أذاعت صنعاء أن العميد عبدالله السلال قاد الانقلاب ضد الأمير محمد البدر ــ إمام اليمن الجديد ــ واستولى الجيش اليمني على السلطة بعد معركة مسلحة قيل إن الإمام البدر قد قتل فيها.

واعترفت مصر بالنظام الجمهوري في اليمن، وقرر جمال عبدالناصر التعرف على الموقف في اليمن على الطبيعة، فأرسل السادات ومعه كمال رفعت عضوي مجلس الثورة لاستطلاع الموقف ومعهما وفد من ضباط العمليات.

ولما عاد السادات من صنعاء بعد 36 ساعة كان تحمسه للتدخل المصري في اليمن واضحا؛ فقد اقترح إرسال سرب من الطائرات المصرية إلى اليمن، فهو وحده كفيل بإجبار القبائل على التجمهر (أي تأييد الجمهورية)، التي جاءت على أنقاض الملكية. وكانت هذه الفكرة بداية التدخل الإجباري الجوي والبري والبحري بالرجال والعتاد والسلاح والمال والذهب وكل شيء.

وكان الأمير الحسن عم الإمام محمد البدر قد عاد إلى السعودية، حيث اتخذ نجران قاعدة لإمداد القبائل بالذهب والريالات والسلاح والذخيرة والمعدات، للوقوف مع الملكية ضد الثورة، وكان الذهب له بريقه الخاص في جذب النفوس إلى تحقيق ما تريده اليد التي تعطى.

ويلفت الفريق خليل إلى أنه مع بداية الثورة لمع بريق الذهب مع قبائل الشمال وهاجمت صعدة عاصمة الشمال مما أجبر رجال الثورة على تحريك قوة من الجيش اليمنى تقدر بنحو كتيبة مشاه للدفاع عن صعدة، ودارت معارك هناك كان نتيجتها بعض القتلى وعلى رأسهم العقيد علي عبدالمغني الذي قيل عنه إنه المحرك والقائد الحقيقي للثورة اليمنية ضد الإمام.

وهذا القتال الذي حدث في الشمال ونتائجه دعا المشير السلال ورجال الثورة إلى طلب معاونات أكثر من مصر، واستجابت مصر وجاءت القوات تحملها الطائرات وسفن الاسطول المصري الحربي والتجاري إلى صنعاء والحديدة في سياق لدعم الثورة اليمنية.

وكان القتال في اليمن ضد القبائل التي لم تؤيد الجمهورية يحرك قواتنا إلى حيث ترغم هذه القبيلة أو تلك على التجمهر وإعلان الولاء بقوة السلاح أو بقوة الريال وأحيانا بقوة الذهب! أو تصمد ضد هذا التيار الجديد لأن ذهب الأمير الحسن ربما يكون أكثر لمعانا وأسلحته أشد فتكا. وحاربت قواتنا في اليمن أصنافا كثيرة من البشر ومرتزقة من كل مكان.. وكنا لا نعرف العدو من الصديق هل هذا جمهوري؟ أم ملكي؟

ويضيف الفريق خليل “قامت ثورة اليمن في 26 سبتمبر/أيلول 1962 وطلب مجلس قيادة الثورة اليمنية مساعدات عسكرية من الجمهورية العربية المتحدة (اسم مصر وقتئذ) وبدأت مصر بعد 30 سبتمبر/أيلول 1962 في الاستجابة لهذه الطلبات وأرسل المشير عبدالحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة اللواء أ.ح علي عبدالخبير ومعه بعض الضباط من الصاعقة والمظلات وغيرهما إلى اليمن لمقابلة أعضاء مجلس القيادة ومعرفة مطالبهم، وبدأت مصر في إرسال بعض سرايا من رجال الصاعقة والمظلات للمعاونة في حماية الثورة في أول أيامها.

ثم تطور الموقف بسرعة غير متوقعة وكلف اللواء عبدالخبير وهو في اليمن بتولي مسئولية مساندة الثورة وبدأ يفكر في تكوين قيادة صغيرة لتعاونه للقيام بالمهمة المكلف بها فقد يحتاج الأمر إلى مزيد من القوات المصرية ترسل إلى اليمن. وقد اختار اللواء نجيب رئيسا للأركان، ثم اختارني مديرا للعمليات، واختار العقيد أ.ح نوال سعيد مديرا للإمداد والتموين، والعقيد محمد تمام مديرا للتنظيم والإدارة وشئون الأفراد، وسافرنا نحن الثلاثة في طائرة انتينوف إلى مطار صنعاء.

وصلناه فجر يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1962 وقابلنا اللواء عبدالخبير في المكان الذي اختاره مؤقتا للقيادة، وهو منزل ريفي صغير في صنعاء قرب مبنى مركز قيادة الثورة برئاسة المشير السلال، وبدأنا العمل منذ وصلنا كل في اختصاصه، وكان مكاني دائما مع اللواء عبدالخبير نعمل في المندرة في مدخل المنزل والاستراحة في المقعد أعلى الدار وسارت الأمور هكذا عدة أيام وخلال هذه الفترات كان يحضر لزيارتنا يوميا أو عدة مرات في اليوم المشير السلال حاملا رشاش تومي قصير وهو بملابسه الرسمية، ومعه حرسه من الأخوة اليمنيين بالبنادق والخناجر والرشاشات، وكان يطلب أن تقوم الطائرات المصرية بضرب منطقة كذا أو منطقة كذا لأنها لم تتجمهر (أي تؤيد الملكية).

كما كان يطلب قوات لإرسالها إلى مناطق نفوذ قبائل اليمن المتعددة لإرغامها على التجمهر وإعلان الولاء للثورة. وفعلا تم ارسال كتيبة صاعقة إلى صرواح، وبقيت كتيبة صاعقة وكتيبة مظلات في صنعاء للدفاع عن مقر السلال ومركز قيادة الثورة وقيادتنا وأرسلنا الكتيبة 77 مظلات إلى عمران.

ويشير إلى أن الموقف كان قد تطلب التقدم إلى مأرب عاصمة مملكة سبأ القديمة، وتم إسقاط سرية مظلات قبل غروب شمس يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1962 شرقي صرواح، وتقدمت كتيبة صاعقة من صنعاء برا للاتصال بها وتدعيمها ولكن للأسف الشديد تشرد عدد كبير من رجال المظلات في عملية الإسقاط، حيث لا توجد خرائط واضحة لليمن وحتى الخرائط التي أمكن الحصول عليها لا توضح إلا المعالم الرئيسية وكلها جبال ووديان ومرتفعات وخيران.

وللأسف أيضا وقعت عناصر كتيبة الصاعقة في تقدمها إلى صرواح في كمين عند رأس العرقوب واضطررنا إلى إصدار أوامر لها بالعودة إلى جيحانة، ولكنها وصلت صنعاء ثم أصدرت لها الأوامر مرة أخرى بالعودة إلى جيحانة على طريق صنعاء ــ رأس العرقوب ــ صرواح ــ مأرب، وكانت كل الاتصالات بالبرق المدني وبالطبع باليمني والله أعلم كيف كانت تصل التعليمات.

ويوضح أنه فى 28 أكتوبر/تشرين الأول 1962 وصل المشير عبدالحكيم عامر إلى صنعاء واخترنا له منزلا مواجها للدار التي كنا نتولى إدارة العمليات منها وهو بجوار مبنى السفارة المصرية، وعقدنا “اجتماعنا” وكان الفريق أنور القاضى قد سبقه إلى اليمن في مهمة ويعود بعدها للقاهرة، ولكن صدرت الأوامر له ان يتولى قيادة القوات العربية (يقصد القوات المصرية، حيث إن مصر كانت اسمها الجمهورية العربية المتحدة) في اليمن والتي أصبح يتدفق عليها يوميا وحدات وأسلحة ومعدات من القاهرة.

وفي المؤتمر الذي عقده المشير في استراحته كان كل ما يدور هو كيفية معاونة ثورة اليمن وتأمين قواتنا. وحضر الاجتماع بعد ذلك المشير السلال وبعد أيام قلائل انتقلنا إلى مبنى أكبر يستوعب عددا أكبر من أسرة القيادة التي بدأت تنمو وتنمو إلى عشرات الضباط ومئات الجنود والصف ضباط والمدنيين المصريين والعربات الحربية والمدنية والمدرعات والمركبات المصفحة!

وبدأت بشائر أفراد المظلات الذين أسقطوا في صرواح تصل إلى صنعاء بعضهم سيرا على الأقدام وبعضهم مع أفراد من القبائل بركبون الدواب. وأمرني المشير بتوزيع ريالات لكل من يحضر جنود مظلات، وبالطبع ملايين الريالات لا تساوي شيئا أمام عودة جندى مصري سالما إلينا. والحمد لله تم تجميع معظم أفراد المظلات عدا من استشهد أو شرد ولم يصل إلا بعد فترة طويلة.

ويرى أنه هكذا تورطت مصر في اليمن وبدأت في إنشاء جسر جوي وبحري ضخم عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى أرض اليمن التي ابتلعت خيرة وحدات القوات المسلحة وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها واستنفدت أنفاسها!

وبدأت عمليات قطع الطرق على قواتنا خاصة القولات الإدارية التي كانت تتحرك لامداد القوات بالذخائر والأسلحة والتعيينات والمياه إلى بعض المناطق وبالطبع الزيوت والوقود والشحومات.

وأذكر في نوفمبر/تشرين الثاني 1962 قامت قبيلة تسمى “بني مطر” بقطع طريق الحديدة ــ صنعاء عند الكيلو 135 من الحديدة، ولكن تم فتح الطريق بعد نحو 48 ساعة متحملين بعض الخسائر في الأرواح والسيارات.

وكانت الحكومة اليمنية تطلب من القيادة العربية (يقصد القيادة المصرية) مزيدا من القوات للمعاونة في السيطرة على مناطق اليمن المتعددة والمترامية الأطراف سواء إلى صعدة شمالا أو مأرب شرقا أو تعز جنوبا أو الحديدة غربا، أو ميدي في الشمال الغربي أو حجة في أعلى جبال اليمن بمهمة إيقاف عمليات التسلل وتهريب الأسلحة والمعدات والأموال إلى داخل اليمن، وإظهارا للقوى وإجبار القبائل على إعلان الولاء للثورة.

*ميدل ايست أونلاين

Share

التصنيفات: أخبار وتقارير,تحقيقات

Share