قاعة اليمن في المتحف الحربي المصري تروي :
قصة كفاح وطنين وأمتين في سبيل التحرر والحرية
حققت اليمن انتصاراتها بدعم من مصر في أكثر مراحل النضال سوداوية
د . الراحل خالد الصوفي
إن توثيق أحداث ثورة سبتمبر الخالدة في قاعة خاصة باليمن في المتحف الحربي المصري تحمل معاني وأبعاداً خارج إطار الصورة .
إنها ليست قاعة أو جناحاً خاصاً في المتحف الحربي المصري يرمز لدور مصر وثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر تحوي جزءاً من صور توثق لأحداث ثورة اليمن في 26 سبتمبر 1962م، وإنما وجودها أبعد وأعمق من ذلك بكثير، فهي رمز وتوثيق لمدى الأواصر القوية بين الشعبين اليمني والمصري النابعة من إخوة العقيدة والدم واللغة والمصير المشترك ، فلم يكن دور مصر في الوقوف بجانب ثورة اليمن ودعمها وليد اللحظة أو كما يروج البعض فرضته التطلعات للزعامة من قبل عبد الناصر.. بل هو نتاج لعلاقات ووشائج تمتد لآلاف السنين توثقها نقوش المسند والهيروغليفي – كما أثبتت ذلك الكشوف الأثرية مؤخرا – علاقات تمتد منذ ما قبل الميلاد وقبل حكم الملكة ” حتشبسوت” وامتدت في مختلف العصور وازدادت بهجرات اليمنيين قبل الإسلام عند انهيار سد مأرب العظيم والذين ما تزال سلالاتهم إلى اليوم في صعيد مصر كما تؤكد ذلك كتب التاريخ ويستدل عليهم بمسميات الأماكن والأسر وملامح البشر ، وجاءت الفتوحات الإسلامية ليتصدر اليمنيون معظم جيش فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص.
ويشمخ نصب الجندي المجهول المصري في أعلى وأجمل ربوة تطل على صنعاء تخليداً لتلك الدماء الأخوية الزكية التي روت تراب اليمن من أجل أسمى غاية وهي تحرير اليمن وشعبه من التخلف والكهنوت، لينطلق إلى ركاب النصف الثاني من القرن العشرين بعد قرون عاشها في ظلام العصور الوسطى .
لقد قدمت الثورة المصرية دعمها لليمن ولمعظم الثورات وحركات التحرر العربية ضد الاستعمار والتخلف إن لم يكن بالسلاح والجيش فبقوافل التنويريين من المعلمين والأطباء والمهندسين كروابط للانتماء لوطن واحد من المحيط إلى الخليج ، رغم محاولة المستعمر وأعوانه في الداخل العربي إفشاله وعرقلة مده الثوري التنويري .
لقد قالها عبد الناصر عند زيارته اليمن ( 1964) على المستعمر أن يحمل عصاه ويرحل من جنوب اليمن .. وفعلاً رحل غير مأسوف عليه ، وحققت اليمن انتصاراتها في الشمال والجنوب بدعم من مصر في أكثر مراحل النضال سوداوية .
وبالتالي وجود قاعة خاصة باسم اليمن في المتحف الحربي المصري بالقاهرة له دلائل كثيرة تتعدى الصور المؤطرة على جدران القاعة إلى معانٍ من السمو والوشائج الأخوية بين الشعبين العريقين الممتدة جذورها الحضارية في أعماق التاريخ… تستشعر كل ذلك وأنت تستعرض محتوى القاعة ، فهذه صور قادة مصر الأبطال المتعاقبين على قيادة الجيش المصري في اليمن ، وهذه أهداف الثورة اليمنية الستة المستمدة من روح أهداف ثورة يوليو 1952 ، وهذه صور توثق لفرق تدريبية وضباط مصريين يقومون بتدريب الجيش اليمني الوليد على الأسلحة الحديثة والتكتيكات العسكرية، وهذه صورة نادرة لأول اجتماع لمجلس وزراء الجمهورية العربية اليمنية بعد قيام الثورة بأيام برئاسة الدكتور عبدالرحمن البيضاني ، وهذا البيان الأول للثورة ووثيقة تحكي بعضاً من دور مصر في اليمن، وأخرى عن أسباب وحتمية قيام الثورة ..الخ
إنها قاعة رغم بساطتها إلا أنها جزء من اليمن يقبع في تاريخ مصر كما أن نصب الجندي المجهول المصري في اليمن ومقابر شهدائها جزء مصري في تاريخ اليمن ، إنهما يرويان قصة كفاح وطنين وأمتين في سبيل التحرر والحرية والإخوة والمعترك الواحد مهما حاول البعض التشكيك بنبل الهدف وعظمة الغاية .
وهناك خارج القاعة ثمة وثائق وصور تقول هذا الإعلام المصري يبشر بالثورة وهذا دور مصر عبدالناصر وقادة ثورتها العظام ؛ إنهم في كادر الصورة وهذه سفينة السودان المصرية ترسو في ميناء الحديدة يوم 6 أكتوبر 1962م أي بعد عشر ايام من قيام ثورة سبتمبر تحمل عينات من الأسلحة وطلائع وأفواج الكرامة لمساعدة الثوار اليمنيين وهنا الحفاوة والترحاب الشعبي بالزعيم في صنعاء وهناك في تعز التي خرجت عن بكرة أبيها تعبر عن امتنانها لدور مصر عبد الناصر؛ لحظات تاريخية حاسمة تؤكد تلاحم الثورتين والشعبين اليمني والمصري في و احدية الهدف الخالي من الأهواء و المصالح في حلقة أخوية لا تنفك ؛ عمدت حضارتي المسند والهيروغليفي بالدم والمصير المشترك في بوتقة وعرى العروبة والواجب والموقف الحر.
إنها الخلاصة والختم الممهور لنضج العلاقات المتينة التي تربط الشعبيين الشقيقين اليمني والمصري وتتويجاً لآلاف السنين من التواصل الحضاري والتاريخي بين الشعبين منذ عهد الدولة اليمنية القديمة سبأ وزيارة الملكة الفرعونية حتشبسوت لبلاد بونت والتي هي اليمن كما أكد لي عالم الآثار الدكتور عبدالحليم نور الدين رئيس هيئة الآثار المصرية السابق ذات لقاء جمعني به في القاهرة . علاقات من التلاقح الحضاري وقوافل المر والبخور اليمني تطوي الصحاري والقفار لتعطر معابد الفراعنة بعبقها الفواح علاقات عمدت بالمسند والهيروغليفي لتتوج في العصر الحديث بأطهر دم مصري سال على أرض اليمن دفاعاً عن ثورتها للانعتاق من براثن التخلف إلى عصر النور.
ومهما تكالبت مثبطات العزائم اليائسة بأطروحاتها وألوانها المختلفة ، يظل الحلم أملاً مشروعاً للنهوض من جديد , بناة حضارة نسطر تاريخنا الجديد وحضاراتنا الممتدة المتجددة ، لنبني جسوراً وطاقة نور تشيع ثقافة الأمل أمام أجيالنا, وما ثورات الربيع العربي إلا نماذج على الصحوة وأمثلة للنهوض.
2014-09-26