نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا للصحافية ليزي ديردن، تقول فيه إن الحكومة البريطانية اضطرت مرارا لأن تدافع عن تجارة السلاح، وسط وجود أدلة على وقوع جرائم حرب وقتل بين المدنيين في اليمن.
وتكشف الصحيفة عن أن شركات الأسلحة البريطانية كسبت أكثر من 6 مليارات جنيه إسترليني من تجارتها مع السعودية خلال الحرب الدائرة في اليمن، بحسب دراسة جديدة.
ويورد التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، نقلا عن مؤسسة “وور تشايلد” الخيرية في المملكة المتحدة، قولها إن الدخل الحقيقي من التعامل مع دول الخليج يصل إلى ضعف التقديرات السابقة، بالرغم من أن ما يعود للصندوق العام من خلال ضرائب الشركات لا يتعدى 30 مليون جنيه إسترليني.
وتشير ديردن إلى أن الجمعية الخيرية تتهم شركات تصنيع الأسلحة، مثل “بي أيه إي سيستمز” و”ريثيون”، بأنها “تتربح من قتل الأطفال الأبرياء”، ببيعها الأسلحة للتحالف الذي تقوده السعودية، لافتة إلى أنها متهمة بارتكاب جرائم حرب وقتل آلاف المدنيين، من خلال غاراتها الجوية ضد الحوثيين.
وتنقل الصحيفة عن المستشار في شؤون الصراع والجوانب الإنسانية لدى “وور تشايلد” روكو بلوم، قوله إن بريطانيا لا تبيع الأسلحة للقوات السعودية فحسب، بل تقوم بصيانتها أيضا، مشيرة إلى أن الواردات المقدرة من الدعم الجاري رفعت الدخل المقدر إلى أكثر من 3.6 مليارات الذي أعلنت عنه الحملة ضد تجارة السلاح الأسبوع الماضي.
ويقول بلوم للصحيفة: “نريد أن نرى تجارة دولية بناءة، لكن هذه التجارة (السلاح) ضارة.. ويجب أن ينظر إلى هذا الدخل في سياق التكاليف الأخرى المترتبة على هذه التجارة كلها، خاصة لسمعتنا الدولية وبالذات في مجال حقوق الإنسان”.
ويضيف بلوم قائلا إن هناك “نقصا في الشفافية” حول مدى تورط الشركات البريطانية، وسط ضعف عالمي في حماية الأطفال في مناطق الصراعات، بما فيها اليمن وسوريا والعراق، وأعرب عن قلقه من أن المملكة المتحدة أصبحت “أقل عناية” في اختيار شركائها التجاريين مع اقتراب البريكسيت.
ويفيد التقرير بأن شركتي “بي أيه إي سيستمز” و”ريثيون” من بين العارضين في معرض الأسلحة الذي أقيم في لندن الأسبوع الماضي، الذي دعمه وزاء الحكومة وقيادات بارزة في الجيش، مشيرا إلى أن وزير التجارة الدولية ليام فوكس دافع عن “اخلاقية” التجارة في معرض “دفينس أند سيكيوريتي إكويبمت إنترناشيونال”، وقال للحاضرين إن نظام الترخيص في المملكة المتحدة يعني أن الصادرات قانونية ولا تنتهك المملكة المتحدة القوانين الدولية.
وتذكر الكاتبة أن وزير الدفاع البريطاني السير مايكل فالون تحدث في اليوم التالي عن رؤيته لزيادة نصيب المملكة المتحدة من سوق الدفاع الدولي بعد البريكسيت، وقال فالون إن المملكة المتحدة أمنت طلبات بقيمة 5.9 مليارات جنيه إسترليني عام 2016، وهي ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم.
وتستدرك الصحيفة بأن “وور تشايلد” قالت إن هناك تفاوتا بين الفائدة الاقتصادية للشعب البريطاني مقابل الأرباح التي تحققها الشركات الخاصة داخل صناعة الأسلحة، التي تقدر بما يقارب 600 مليون جنيه إسترليني، ووجدت أن الدخل من الضرائب يقدر بـ45 بنسا للشخص، وهو رقم ضئيل إذا ما قورن بالرواتب والزيادات، وإذا تمت مقارنته بالمساعدات التي تقدمها الحكومة لليمن.
وينقل التقرير عن متحدث باسم “وور تشايلد”، قوله: “ولدت مبيعات الأسلحة للسعودية 13 مليون جنيه ضرائب عام 2016، لكن المملكة المتحدة أنفقت في عام 2017، 139 مليون جنيه إسترليني مساعدات إنسانية.. وهو ما يعني أن وزارة المالية تنفق على المساعدات أكثر بأربع مرات مما تأخذ من الضرائب”.
وتقول ديردن إن الحكومة اضطرت مرارا لأن تدافع عن تجارة السلاح، وسط وجود أدلة على وقوع جرائم حرب وقتل بين المدنيين في اليمن، حيث تتسبب حملات القصف السعودية بجعل أزمة الجوع وداء الكوليرا أسوأ، مشيرة إلى أن الأدلة التي وجدت في مواقع المذابح تشير إلى أنها تمت بأسلحة بريطانية التصنيع، بما في ذلك قنبلة “بيفوي 4” الذكية الموجهة بالليزر، التي تصنعها شركة “ريثيون” في مقاطعة فايف في أسكتلندا.
وتكشف الصحيفة عن أنه يقدر أنه قتل خلال عامين من الحرب في اليمن حوالي 1300 طفل، وجرح 2000، وهوجمت 212 مدرسة، ودمرت عيادات طبية، ويعاني الملايين من المجاعة والكوليرا.
ويورد التقرير نقلا عن ياسر البالغ من العمر 12 عاما، قوله لـ”وور تشايلد”، إن أباه وأمه واخوته الثلاثة قتلوا في غارة جوية في شمال اليمن، وأضاف: “سقط أول صاروخ على بوابة المستشفى، وكان الصوت مخيفا، ورأيت أجساد الناس، وقتل أبي، وخشيت على نفسي فهربت إلى الجبال”، أما سمير البالغ من العمر 10 سنوات، فقال لـ”وور تشايلد” إنه غادر الى المدرسة بالقرب من صنعاء قبل أخيه، وعندما عاد للبيت وجد البيت مدمرا، وقد قتل كل من كان في داخله.
وتلفت الكاتبة إلى أن السعودية وضعت العام الماضي على القائمة السوداء لدى الأمم المتحدة؛ لارتكابها تجاوزات خطيرة ضد الأطفال، إلا أنه تم رفع اسمها من القائمة بعد احتجاجات من الحكومة السعودية.
وبحسب الصحيفة، فإن أعضاء برلمان ومنظمات إنسانية دعوا الحكومة البريطانية لوقف بيع الأسلحة للرياض، لكن الحكومة كسبت دعوى قضائية في المحكمة قدمتها الحملة ضد تجارة السلاح في تموز/ يوليو، منوهة إلى أن المحكمة العليا حكمت بأن التجارة لم تتجاوز القانون؛ لأنه لا يوجد دليل بأن التحالف الذي تقوده السعودية يتعمد استهداف المدنيين، وتقوم في الوقت ذاته بالتحقيق في الضحايا المدنيين المزعومين.
وينقل التقرير عن القاضي اللورد بيرنيت، قوله للمحكمة إنه لم يتم التأكد من “خطر واضح بأن المواد قد تستخدم في ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”، لافتا إلى أن الحكومة أعربت أكثر من مرة عن دعمها لدور السعودية في اليمن، وقالت إنها تدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الحوثيين والقوى الموالية للرئيس السابق.
وتورد ديردن نقلا عن المدير التنفيذي لمنظمة “وور تشايلد” روب ويليامز، قوله إنه “بغيض أخلاقيا أن تسمح حكومة المملكة المتحدة للشركات بأن تحقق أرباحا باهظة من قتل الأطفال الأبرياء.. قتل آلاف الأطفال والملايين معرضون للخطر”، وأضاف ويليامز: “من المخجل أن تكون الحكومة البريطانية شريكة في معاناتهم، وتبرر ذلك بوعود بالانتعاش الاقتصادي، الذي يثبت هذا التقرير عدم صحته”.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالإشارة إلى قول المتحدث باسم وزارة التجارة الدولية: “تأخذ الحكومة البريطانية مسؤولياتها تجاه صادراتها الدفاعية محمل الجد، وتعمل ضمن نظام ضبط للصادرات هو الأكثر متانة في العالم.. نقوم بدراسة كل طلب تصدير على حدة، ونقيمه بناء على معايير التصدير الوطنية والأوروبية”.