من المعلوم للجميع أن ثمة لحظات تمر بنا لا نحسد عليها، أوقات نتمنى فيها الخلاص بالموت، نحاصر فيها أرواحنا بلا رحمة، نعاقب فيها أرواحنا من الأكل والشرب والنوم ، ولا يضل لنا شيء نستخدمه غير التفكير الذي يحاصرنا، خصوصا عندما يكسرك الأقارب ،والذي كنت تعتمد عليه وأحيانا من أنفسنا التي نجدها غير مستقرة، حينها تكون الصدمات متنوعة ما بين عاديه أو مميتة.
وأحيانا تكون مثل هذه المشاكل من نوع المستحيل ، فمثلا بيت بلا إيجار، وشغل بلا راتب ،وسيارة بلا بترول ،وبقاله أقفلت حساباتك ،وفرن غير مستعد أعطائك رغيفا وأحدا، وفي لحظات خافته هادئة وفي شدة الزحام يطرق القدر أبوابك فتفتح مسرعا بأم أولادك ،التي تحمل الرضيع وبسبب خطاء طبي تعطى فيه إبر تسمى بالطلق حينها تضطر للخلاص من وضعك مسرعا إلى حيث تناوب تلك الطبيبة ،فإذا بها تزيد من حقن الإبر إلى أن تسد عليك الأبواب طالبا حلا علميا فتقدم الحل قائلة تحتاج إلى عمليه قيصرية، وتكلف هذه العملية خمس مائه ألف أو تزيد ،وتكتشف أن من ضمن القائمة قلابين ماء وغير ذلك، وكأنهم يريدوا منها أن تسبح في رفاهيتها، فتضطر للعملية وتخير مابين الاختيار، إما فقدان الأم أو المولود ،الذي تنتظره بعد آمل ، وحينئذ تختار الأم بطبيعة الحال على أمل بقاء الطفل على قيد الحياة ، فيتم إجراء تلك العملية ،وكما توقعت لم يكن موعد اللقاء الحقيقي تجد فيه الطفل غير قادر على التنفس، لان الطبيبة لا هم لها إلى جهلها ومصلحتها المادية، فدفعني الأمر فأخذت الطفل سريعا باحثا عن جهاز تنفس في وقت متأخر من الليل ،في حدود الساعة الثانية عشر من الليل ،كي أدخله مستشفى خاص منتظراً، ملائكة تستقبلك فتجد مشرحه يستمر فيها الطفل صراعه مابين الهجرة والموت نحو الآخرة أو البقاء على قيد الحياة حتى الصباح،ومن ثم يغادر الحياة.
ست ساعات من المعاناة تكلفك مئة ألف ريال، ثم تأخذه لتغسله وتكفنه وتصلي عليه وتودعه لحظتها ،لن تقوى على الصمود،وقتها تغرق عيناك بنيران الدموع ،وكأنك تقول ليتني مكانك .
وفي مثل هذه اللحظات التي بطبيعة الحال يجب أن يكون الناس إلى جوارك ترى نفسك وحيدا ،فتقنع لأن الله رفيقك محدثا نفسك ، لن تكسرني الحياة متحدياً باستمرار حتى النهاية، خصوصا أنك الشاهد الوحيد على نفسك في كثير من الحكايات ،التي حاربت فيها مخاوفك، وتجاوزت فيها همومك ومشاكلك ، رغم الوحدة الموحشة ، والهموم الكثيرة،والتعثر المستمر ، يجب أن تتمسك بالأمل حتى النهاية.
متذكرا أن هناك ألاف زج بهم في سجون الوحدة، حيث لا أخ ولا صديق يؤنسهم في وحدتهم ، وهناك الكثير من الغارقين في همومهم ،وآلاف من المبدعين ضائعين بين جدران دوله غافلة، وآلاف من المرضى في زوايا المشافي .
إضافةً إلى هذا كله تجد الحرب والتشرد والمرض والإعاقة والتدمير للبيوت على ساكنيها ،والتقطع والجوع والألم ، تجد نفسك تموت بالتقسيط مثلك مثل غيرك ،حينها تحتاج إلى قوة جديدة آملا في العودة والسلام والصحة، وفي الأخير تقول لنفسك أن المعجزات تحتاج إلى وقتا كي تتحقق ،ولكونها لم تكن يوما مستحيلة ،هذا مثال من أمثلة وقصص تروى في حرب إبادة يتلقفك الموت في كل مكان تتجه إليه، إما بالقصف أو بالغرق أو بالجوع أو بالطرد….الخ .