منذ السادس والعشريين من شهر مارس 2015م تاريخ بدء عمليات قوات التحالف بقيادة السعودية على اليمن وإعلان الحصار والحظر الجوي تحول المواطنون اليمنيون في المحافظات المعتمدة في سفرها علی مطارات صنعاء والحديدة وتعز إلى نزلاء في سجن كبير.
أدى الحظر إلى توقف الرحلات الجوية، وحتى في الفترات التي سمح فيها بتسيير رحلات طيران اعتبرت طارئة واستجابة لحالات إنسانية كانت تلك الرحلات أقرب إلى التعذيب وإهدار الكرامة جراء التعقيدات التي طالتها، فضلا عما رافقها من سوق سوداء لبيع التذاكر، وما عدا الطيران الوطني لم تقلع أو تهبط إلا رحلات ربما لا تتجاوز عدد الاصابع أهمها تلك التابعة للأمم المتحدة أو المتحهة لسلطنة عمان لنقل وفد التفاوض من صنعاء أو إجلاء الجرحی ذوي الحالات الحرجة جدا.
لم يكن اليمن مجتمع رفاهية، ولم يتعد كونه مجتمع كفاف أومتوسط في أحسن الظروف، ما يعني أن سفر المواطن اليمني للخارج في المحيط العربي أو الدولي مرتبط بدواع اضطرارية أخرى يندر أن يكون قضاء شهر العسل أو السياحة والاستجمام من بينها.
الحديث عن حجم الضرر الذي لحق بالمواطنين جراء الحظر الجوي موجع، إنه انتهاك للأدمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مئات الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج من كانوا يقضون إجازاتهم مع الأهل أو أولئك الذين أتوا لإجراء أبحاث ودراسات مرتبطة بدراساتهم علقوا لأسابيع بل لشهور لتعقد اجراءات السفر أو العودة أو انعدام فرصها، فيما علق آلاف اليمنيين في الخارج :طلاب ومرضى يتلقون العلاج في مصر والأردن والهند وغيرها من بقاع الآرض، ووقعوا تحت وطأة ضغوط مادية لم تكن في الحسبان وجد معها بعضهم نفسه خارج السكن الذي كان يستأجره لعجزه عن دفع الإيجار، وتناقلت وسائل التواصل والاتصال حينها قصصا طافحة بالألم والمهانة للعالقين.
سمح بعدها برحلات محدودة وتحت ظروف أمنية مشددة فرضت على طيران اليمنية الهبوط للتفتيش في مطار بيشة السعودي ولا تقلع من مطار صنعاء إلا بإذن مسبق، ترتب على تلك الأوضاع ارتفاع سعر التذاكر بشكل غير مسبوق فاق المئة بالمئة مع دفع مبلغ تأمين إضافي.
وفرضت حينها مصر وكثير من الدول قيودا خانقة على اليمنيين حتى الطالب الذي يدرس في الجامعات المصرية على سبيل المثال فرض عليه الحصول على إقامة تستغرق إجراءات الحصول عليها أسابيع. وكذلك وأكثر كانت معاناة طلاب و مرضى اليمن في كل الدول. ومع استئناف الرحلات من مطاري عدن وسيئون تظل معاناة مواطني المحافظات الشمالية قائمة ماديا ومعنويا.
معاناة المرضى لوحدها تستدعى محاكمة كل الأطراف التي تسببت في فرض الحظر الجوي، وستذكر التقارير متى ما وضعت الحرب أوزارها كم من المرضى تقطعت بهم سبل العلاج وتوقفوا أو عجزوا عن مواصلته لعدم القدرة على السفر، وانعدام العلاج في الداخل، وستذكر أيضا كم من الرحلات حملت موتى كانت حالتهم الصحية لا تحتمل كل تلك الساعات التي تأخذها الرحلة اقلاعا ثم هبوطا للتفتيش ثم الاقلاع مرة أخرى، ولن تنسى فارع المواطن اليمني الذي سافر للعلاج ثم فارق الحياة في مصر واستحال نقل جثمانه لبلده، ودفن وحيدا غريبا حيث أطلق أحد اليمنيين مناشدة لليمنيين هناك لحضور مراسيم دفنه، و مازال عبدالله وزوجته يبكيان طفلتهما التي اسعفت للاردن وفارقت الحياة بعد دخول المستشفى هناك نظرا لطول الرحلة وصعوبتها حيث ضاعفت مشقة الرحلة من سوء وضعها الصحي.
ومع تعليق الرحلات تماما من مطار صنعاء وهو المطار الأول في اليمن منذ أشهر أصبح الخيار أمام المضطر للسفر مطار عدن الدولي أو مطار سيئون ما يعني أن يقطع المسافر رحلة برية محفوفة بالمخاطر قد تصل إلى واحد وعشرين ساعة وهي المدة التي استغرقها محمد من محافظة إب ليسافر من سيئون إلى القاهرة لإسعاف والدته بعد أن ساءت حالتها وطال انتظارها لعل الحضر يرفع عن مطار صنعاء، وكذاك سافر يحيی بزوحته المشلولة إثر جلطة دماغية ممدة في سيارة نصف نقل من صنعاء وحتی عدن حيث انطلقت رحلتها إلی الهند.
تسافر وفود التفاوض وتعود وسفرها مضمون ومؤمن مهما كانت الظروف، لكن الطلاب والمرضى والمضطرين للسفر عبر مطار صنعاء يستحيل سفرهم.
لا يولي المتصارعون في اليمن الجانب الإنساني اهتماما يذكر كما ليس بالنسبة لهم أكثر من ورقة ضغط لا يطالهم ألمها ولكنها تشكل عقابا جماعيا للمواطنين. وتشير الأرقام إلى ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف مواطن مضطرين للسفر للخارج لدواع صحية ولكن الحظر الجوي على مطار صنعاء والتعقيدات المفروضة تحول دون سفرهم.
وستظل ورقة الحظر الجوي على مطار صنعاء ورقة عالقة مثلها مثل ورقة الرواتب يستخدمها أطراف الصراع لكنها لا تطال إلا المواطنين، تعاقبهم وتكسر آدميتهم على مرأى ومسمع من العالم الذي يراقب بصمت وعدم اكتراث.
د بلقيس محمد علوان: الحظر الجوي…السجن الكبير
التصنيفات: أخبار وتقارير,أقــلام