نجيب علي العصار
عظم الله سبحانه وتعالى صلة الرحم ووضع لها مكانة بارزة في الإسلام، ومما يدل على ذلك ما دعت إليه آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم أثرها وفضلها، ورغبت فيها أعظم الترغيب، وكان ذلك دينياً ودنيوياً، ومن فضائلها أنها شعار الإيمان بالله واليوم الآخر وجلب لصلة الله للواصل، ومن أعظم أسباب دخول الجنة، كما أن الله يطيل للواصل في عمره ويبارك له في رزقه ويدفع الأذى عنه، فيما حذر الله سبحانه وتعالى من قطع رحمه بالوعيد الشديد بالطرد والإبعاد من رحمته.
ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم؛ يكون سبباً في شيوع المحبة والمودة والتكافل بين الناس وتحقيق الأمان الاجتماعي وبناء أسر متماسكة، ومجتمع متين،ويُعد شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لحل الخلافات والنزاعات وعودة القلوب إلى صفائها وإحسانها.
واجب شرعي
في البداية أوضح الشيخ محمد عبد الغني- المختص في إدارة التوجيه والارشاد بالامانة، أن صلة الأرحام من أوجب الواجبات الشرعية ومن أسس ترابط الأسرة ولذلك أكد الله عليها في كتابه وأكد عليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، فقال تعالى في كتابه المبين:
“واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام؟” وكذلك قال تعالى: “والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل» ،ويؤكد أن الأدلة في هذا الباب من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة كثيرة ومعلومة؟.
وتابع القول : وفي الحديث : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه”،قال الإمام النووي رحمه الله صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة بالزيارة والسلام .؟
وشدد مصطفى ،على أن صلة الرحم واجبة ،وليست من باب المكافأة، ويرى أن هناك من الناس من يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا في الحقيقة ليس بواصل، وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره، فإن المكافأة لا تختص بالقريب وحده، والواصل حقيقة هو الذي يصل قرابته لله سواء وصلوه، أو قطعوه، كما ورد في الحديث.
مضيفاً أن من الثمار العظيمة لصلة الرحم أن الله يبسط للعبد في رزقه ويطيل في عمره ويبارك له فيه، حيث قيل انها زيادة حقيقية وقيل أنها زيادة معنوية أي بالبركة وتكون السنة كعشر سنين وهكذا، وفي المقابل أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم محذراً من قطيعة الرحم وما يترتب عليها حيث قال: “مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ”، مبيناً أن الواجب على المسلم استغلال الشهر الكريم شهر رمضان شهر العفو والمغفرة والعتق من النار بصلة الأرحام ونبذ الخلافات والعداوات والقطيعة، ذاكراً أن التواصل بين الأقارب مطلوب لكن أيضاً عندما يكون هناك تقصير أو فجوة فهنا يأتي دور الموفق إلى الخير في رأب هذا الصدع وصلة الرحم، ولا يضيرك أن يكون بعض الأقارب غير متجاوب أو عندما يرد عليك رداً سلبياً، أو يستثقل الرد عليك لأنك تعمل للآخرة فتحمل ما يأتيك في هذا الطريق وأصبر واحتسب الأجر عند الله عز وجل.
وسائل الاتصال
وتحدث د. صالح السبيعي -باحث اجتماعي- قائلاً: إن لصلة الرحم أجر عظيم وفضل يناله الإنسان في الدنيا والآخرة، وفي شهر رمضان خاصةً يزيد هذا الأجر ويبعث في النفس الطمأنينة والقرب من الله بهذه الصلة المباركة، مشيراً إلى أنه لو نظرنا إلى واقع صلة الرحم اليوم في المجتمع نجد أن التغير الاجتماعي الذي صاحب المجتمع خلال السنوات الماضية أدخل صلة الرحم في جدوله هذا التغير وأصبح لها تنظيمها الخاص في حياتنا الاجتماعية، مضيفاً أن هذا التنظيم يختلف من شخص لآخر بحسب ظروف العادات والتقاليد، فلم تُعد الزيارات المفاجئة للأرحام مقبولة دون تحديد موعد مسبق ولم تُعد بساطة الاستقبال مرضية دون تكلف والخروج بمظهر حسن يحاكي التغير الاجتماعي للمجتمع، مبيناً أن تطور وسائل الاتصال ومواقع الانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي وتسارع التقنية الحديثة أدخلت صلة الرحم في هذا التسارع، الذي أثر على كثير من الناس في جوانب عديدة خلال حياتهم اليومية، مؤكداً على أن هناك من يكتفي بالاتصال لصلة أرحامه وهناك من يرسل الرسائل، والأخطر من هذا كله من أنكر هذا التسارع أو بعبارة أخرى لم يعترف به لتمسكه ببعض العادات والتقاليد فظهر على سطح العلاقات الاجتماعية والأسرية الخلاف في صلة الرحم.
ضياع الأجر
وأوضح د.السبيعي ،أن هذا الخلاف يكون مرتبطا بالجهل أو للتمسك بالعادات والتقاليد دون الاعتراف بحقوق صلة الرحم، مبيناً أن هناك من يجهل الأجر العظيم في صلة الرحم وبخاصة الوالدين ومن له حق عليهم ويكتفي برسالة دون أن يعير لحقهم وتفقد أحوالهم أي اهتمام رغم قدرته على صلتهم وقربه منهم، أمّا العادات والتقاليد فلها حقها في حدود المنطق والمقبول، أمّا أن تُقطع صلة الرحم بسبب مخالفتها فذاك فيه ظلم كبير وضياع لأجر عظيم وبخاصةً في شهر رمضان المبارك، مضيفاً أن لهذا كان واجباً على ذوي الاختصاص المعتبرين التعرض إلى هذا الجانب عبر وسائل الإعلام المرئية والمنشورة وبرامج التواصل الاجتماعي واستغلال شهر رمضان في توضيح خطر التهاون في صلة الأرحام والآثار المترتبة على سوء استغلال وسائل التقنية وبرامج التواصل الاجتماعي والعادات والتقاليد في صلة الرحم.