أثار الانتشار السريع لوباء الكوليرا في اليمن، هلع اليمنيين الذين يعجز الكثير منهم عن تحمل نفقات العلاج للمصابين، بفعل الانعكاسات السلبية التي خلفتها الحرب على حياتهم المعيشية، وانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة لـ8 أشهر، إلى جانب تراجع مستوى الخدمات الطبية في البلاد، وعجز المراكز الطبية التي تستقبل حالات الكوليرا عن مواجهة الوباء.
منظمة الصحة العالمية أكدت أن حالات الإصابة الجديدة بالإسهالات المائية تتراوح بين 2000 و3000 حالة يومياً، ما يعني ارتفاع أعداد المصابين إلى أرقام كبيرة في غضون أسابيع، وهو ما يثير مخاوف المنظمات الدولية، التي تتوقع خروج الوباء عن السيطرة، في حال فشل الجهود الراهنة في الحد من انتشاره.
وحسب منظمة اليونيسف، فإن عدد “المصابين بالإسهالات المائية الحادة وصل إلى 65300 حالة حتى الآن، في 19 محافظة يمنية أكثرها تضررا العاصمة صنعاء ، بينما بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالكوليرا 532 حالة قضت منذ نحو شهر على اكتشاف أول حالة اشتباه بالوباء.
وتؤكد منظمة اليونيسف أن هذه “الموجة من تفشي الكوليرا، تمثل أسوأ أزمة صحية في اليمن”، وأوضحت أنها “تعمل دون توقف لمعالجة الأسباب من خلال تعقيم مصادر المياه وتعزيز النظافة، ضمن أشكال الدعم الأخرى، بما في ذلك توفير اللوازم الطبية”.
وهو ما أكدته السلطات الرسمية في اليمن، وقالت أنها تعمل وبدعم وتعاون المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، على مواجهة هذه الجائحة في اتجاهين متوازيين: الأول معالجة الحالات المصابة، والاتجاه الثاني الحد من انتشار الوباء، من خلال إزالة أسباب انتشاره، وتوعية السكان بالطرق الصحية السليمة للوقاية من الكوليرا.
طرق الوقاية من الكوليرا
يقول مدير عام مكافحة الأمراض في وزارة الصحة والناطق الرسمي باسم الوزارة، الدكتور عبدالحكيم الكحلاني “أن لدى المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي برامج توعوية مجتمعية مباشرة وغير مباشرة، وكذا خطة جاهزة تدعمها منظمة اليونيسيف لخلق ثقافة صحية لدى المواطنين، عبر الوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة تحذر من خطورة هذا الوباء وكيفية الوقاية منه”.
وأضاف: “بدأ أكثر من (8) آلاف من متطوعي المجتمع بالمركز بتنفيذ الخطة كاملة”.
الإصابة بالكوليرا قد تحدث داخل المستشفيات أيضاً، حيث تكتظ غرف وأروقة المرافق الطبية التي تستقبل حالات الإسهال المائي بالمرضى والمرافقين، الذين لا يعلم معظمهم أن العدوى قد تنتقل إليهم من الأمراض الذين يرافقونهم.
بيد أن الدكتور عبدالحكيم الكحلاني قال: “نقوم باكتشاف الحالات المصابة بالكوليرا ونعزلها في مراكز المعالجة، ومن ثم متابعة المخالطين، ومعرفة ما إذا ظهرت أعراض عليهم والاهتمام بتوعيتهم وكلورة مياه الشرب في منازل الحالات المصابة”.
وحول أهم الطرق الواجب إتباعها للوقاية من وباء الكوليرا، يقول محمد محمد المسؤول عن المياه والنظافة الصحية في منظمة اليونيسف: “نحن نستهدف المجتمع المحلي كجزء من خطتنا للوقاية من الكوليرا، ويشير إلى أن الإستراتيجية المتّبعة تتألف من ثلاثة محاور وهي: تعقيم مصادر المياه بالكلور، كما نعقم خزانات المياه، للتأكد من سلامة المياه، وفي الوقت نفسه نعمل على تزويد العائلات بأدوات صحية تتضمن صابوناً ومسحوق غسيل وحاويات مياه، وما إلى ذلك، كما أننا نتنقل بين المنازل، ونشرح للعائلات كيفية انتشار الكوليرا وكيف يمكنهم حماية أنفسهم منها”.
فحص آبار المياه والمحطات
وتتعدد المصادر المؤدية للإصابة بوباء الكوليرا المُعدية التي ينجم عنها الإسهال الحاد، ولعل أهمها المياه غير المعالجة وانتشار أكوام القمامة في شوارع وأحياء المدن اليمنية، بسبب إضراب عمال النظافة عن العمل لعدم صرف مرتباتهم، إلى جانب الأطعمة الملوثة، وانتشار محطات بيع المياه في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الأخرى، دون رقابة أو التزام بالشروط الصحية.
وأوضح رئيس هيئة الموارد المائية المهندس هادي قريعة: “أن أربع فرق عمل طارئة شكلتها الهيئة، للقيام بحملات تفتيش لمحطات بيع المياه وآبار المياه، في الأمانة ومحافظة صنعاء، وتقوم هذه الفرق بإجراءات عاجلة ووقائية لاحتواء تفشي وباء الكوليرا، كما تتضمن أيضاً فحص مياه الشرب، إضافة إلى التفتيش عن محطات بيع المياه للاستهلاك العام، والتأكد من صلاحيتها وجودتها”.
ولفت قريعة إلى استمرار الحملة الاحترازية وإلزام جميع محطات وآبار المياه الخاصة بالشرب بالشروط الصحية، مشيراً إلى أنه تم تعقيم ألف و300 منزل و870 منشأة في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء، لافتا إلى أن فرق العمل ستتوسع في عملها إلى محافظتي حجة وإب.
معالجة مياه الصرف الصحي
وللتخفيف من حدة انتشار الوباء، أكدت وزارة المياه والبيئة أنه “تم تشغيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي بأمانة العاصمة “.
وقال مصدر مسئول في الوزارة أن تشغيل محطة المعالجة جاء بعد تجاوب منظمة اليونيسف والاتفاق مع الممثلة المقيمة للمنظمة ميريشيل ريلانو على تشغيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي بأمانة العاصمة بطاقتها الكاملة لمدة ٢٤ ساعة في اليوم بالكهرباء والديزل.
وأكد المصدر أن تشغيل محطة المعالجة يأتي في إطار الاتفاق على دعم قطاع المياه والصرف الصحي، للحد من انتشار الأمراض والأوبئة مِنْهَا الكوليرا، حفاظا على سلامة المواطنين، وقال أن الاتفاق مع اليونيسف تضمن أيضاً تشغيل آبار المياه بمؤسستي المياه بالأمانة ومدينة الحديدة، بالطاقة الكهربائية، ابتداء من ١ يونيو المقبل، وتشغيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي ومحطات الرفع بمدينة الحديدة.
وأكد الناطق الرسمي باسم منظمة اليونيسف محمد الاسعدي أن اليونيسف تعمل أيضا في الجانب الوقائي وأنه تم “تعقيم عشرات الآبار وناقلات المياه والخزانات المنزلية في المناطق والمحافظات اليمنية المتضررة، وبلغ عدد المستفيدين منها مليون وثمانمائة ألف شخص على الأقل في 15 محافظة.
50% عجز في المحاليل
وحسب مصادر طبية فإن الأدوية والمحاليل الخاصة بوباء الكوليرا أصبحت شحيحة جداً، ولا تكفي لإنقاذ أرواح المصابين بهذا الوباء، وهو ما أكده الدكتور الكحلاني، وقال: المخزون من الأدوية والمحاليل الوريدية نفدت قبل أيام من مخازن وزارة الصحة، منوهاً إلى وجود عجز أيضاً في محاليل الفحص الخاصة بوباء الكوليرا ما نسبته 50% في مختبرات الصحة العامة وهي على وشك النفاد.
وقال محمد الاسعدي: “إن هناك فجوة كبيرة في الموارد اللازمة للاستجابة للأزمة”، مضيفاً أن وكالات المعونة مضطرة لسد جميع الفجوات في ظل أن وزارة الصحة منهارة تقريباً. فعلى سبيل المثال، ساعدت منظمة اليونيسف مستشفى السبعين في نقل المرضى من الممرات إلى عنابر مؤقتة.
مشيراً إلى أن المنظمة قدمت أكثر من 7 طن من الإمدادات العلاجية لمواجهة الاسهالات الحادة والكوليرا للمستشفيات في الأمانة ومحافظة صنعاء، وأن طائرتي شحن خاصة تحمل 28 طن متري من الإمدادات العلاجية العاجلة وصلت مطار صنعاء الخميس، تغطي 8000 حالة.
ولفت الأسعدي إلى وجود تأخيرات كبيرة في جلب الإمدادات إلى اليمن، بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه عملية التخليص الجمركي لجميع أنواع اللوازم الطبية المستوردة, إذ يشارك في العملية الطويلة الأمم المتحدة واعتماداً على منفذ الدخول، التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وهذا يمكن أن يستغرق عدة أسابيع، إن لم يكن أشهراً.