ما نكاد نفجع برحيل زميل او صديق حتى يدمي قلوبنا رحيل آخر، وهل بقي في النفس والروح والجسد مكان لتلقي كل هذه الصدمات ونحن نعيش في صدمة كبيرة مذهلة تعصف بالوطن والإنسان معاً.
من أين لي أن أعرف أن زميلنا الصحافي زيد الغابري قد لفظ نفسه الأخير وانتقل الى جوار ربه وهو الذي انزوى اخيراً على نفسه بعد ان وجد محاطا بالكثير من الأمراض التي تراكمت في سنوات عمله في مهنة نطلق عليها ( مهنة المتاعب ) وزاد من ألمه أكثر أنه الذي شعر بان لا أحد من القائمين على الشأن الإعلامي مهتم بمعاناته حتى رن هاتفي والذي كان يحمل في أثيره خبر رحيل أخي وزميلي زيد الغابري الذي عملنا معا لسنوات في رحاب صحيفة الجمهورية كان النبأ صاعقا وصادما لي تمنيت لحظتها لو اني لم أرد على تلك المكالمة ولم اقرأ خبر وفاته عبر مواقع التواصل حتى يبقى حياً يقظة وتخيّلاً
وضعت الهاتف جانباً وأنا أكاد لا أصدق، كأنه حلم أو دعابة شريط من الذكريات غشاني، تصورته يمسك القلم ليكتب عموده اليومي ( قضية في عمود )تخيلت ، ابتسامته البريئة. وضحكته المحتشمة التي فجأة انقضت عليّ حقيقة الموت الذي لا مفر منه، أجهشت، بصوت جهوري وقلبي يعتصره الحزن والأسى، انا لله وانا اليه راجعون
كان زيد الغابري رحمه الله مألوفاً محبباً قريباً من النفس، استوقفته حينما عينت رئيسا لتحرير صحيفة الجمهورية منتصف عام. 1994 لاعرف وجهة نظره بذلك التعيين لكوني من شعرت بانه اقدم مني بذلك التعيين وبالفعل فقد وجدته بلا تردد يدعو لي بالتوفيق ويعدني بمزيد من التعاون معي .. وحينها اكبرت فيه هذه الروح التي كشفت لي المعدن الأصيل لهذا العصامي الذي كوّن نفسه بجد وجهد، ، وثابر ودرس ونجح وتفوق ليكون إنساناً فاعلاً وصحافيا ..وقلما حمل هموم مجتمعه ومعلما حقيقيا استمر في العطاء بروح صافية نقية، لم تثنه مناكدات الغيورين الحاسدين أو غرور المدعين، كان واثقاً غير متردد في آرائه أو مجاملٍ لهذا أو ذاك،
أيها القنديل المشع في غياهب الظلمات، ونبراس الكلمات الواثقة الهادفة في زمن الاسفاف والترهات. اسستحضر الحنين من ذكرياتي، وأغوص في يأس غابة أحزاني،
آلمني كثيراً رحيلك وأسقط علي اليأس والهذيان.
ايها الزميل الراحل ما اعلمه في هذه اللحظة انك ستبقى حياً في ضمائر أؤلئك الذين تتلمذوا على يديك فنون صاحبة الجلالة وأنك من ستظل تسكن في أفكارنا، وأقوالنا، وحواراتنا، وكتاباتنا وآرائنا. الى ان نصير الى ماصرت اليه . رحمك الله واسكنك فسيح جناته والهم اسرتك وكل محبيك الصبر والسلوان..