ترجمة: أسماء بجاش
نضم “سابيا ريجبي” من مكتب ”أصوات من أجل اللاعنف” في مدينة شيكاغو الأمريكية في إحدى المدارس الثانوية ندوة حول الأحوال التي آلت إليها أوضاع اللاجئين حول العالم, إذ توجب عليه الذهاب إلى العراق برفقة احد أصدقائه اللاجئين – عراقي الجنسية- من أجل التماس الوضع الذي يعيشه اللاجئون عن كثب جراء الحرب, ولم يكتف سابيا ريجبي عند هذا الحد فحسب, بل شد رحاله مرة أخرى ولكن هذه المرة متوجها صوب العاصمة الأفغانية “كابول” التي شارك فيها بجمع معلومات حول الجهود التطوعية الحثيثة التي يبذلها الشباب الأفغاني في جلب المواد الغذائية وخلق بيئة مواتية للعيش والحد من برد الشتاء, ناهيك عن اهتمامهم بتعليم الأسر التي فرت من ويلات الحرب المشتعلة في البلد والآن يعيشون في مخيمات مؤقتة.
كاثي كيلي|موقع “ليه كغيز” الفرنسي:
في العام الماضي زار سابيا مخيم “غابة كاليه” للاجئين في فرنسا ممن فروا من مناطق احتدام الصراع في الشرق الأوسط والعديد من البلدان الأفريقية, إذ يتوق هؤلاء اللاجئون إلى الانتقال إلى بريطانيا التي رفضت كلياً عبور أي أحد منهم إليها.من جانبها أجبرت السلطات الفرنسية حشداً من الناس على إعادة تجميع صفوفهم في المخيم, لكنها قامت في نهاية المطاف بإخلاء المخيم على الرغم من التضامن الذي كان قائما بينهما وعملت على إحراقه بشكل كامل.. وخلال هذه الندوة أعد سابيا تقريراً مفصلا بين فيه أوضاع اللاجئين حول العالم, بحسب “المراسل نت ” ،وكانت تلك التفاصيل مدعاة للدهشة:
حيث أوضح التقرير عدد اللاجئين الذين استقبلتهم الولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي المقدر بـ 84995 لاجئاً, مقارنة مع ما استقبله اليمن، احد أفقر بلدان العالم العربي، خلال نفس العام والذي قدر بـ 117000 لاجئ ومهاجر. وهذا يعني ان اليمن يأوي أكثر من 255000 لاجئ صومالي.
أصبح اليمن على شفا أسوأ الأزمات الإنسانية التي عصفت بالعالم وعلاوة على ذلك فقد وجد اليمن نفسه أيضا بين فكي كماشة الغارات الجوية التي تشنها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من البلد في مرمى نيرانها بشكل منتظم.
وفي الوقت نفسه ومن خلال هذه الندوة تم تنظيم أسبوع صيام وورشة عمل من أجل إيصال معاناة الشعب اليمني، فقد أصابنا الذهول والجزع عندما علمنا بأن هذا البلد كان يعتبر بمثابة بصيص أمل يلوح في سماء الصوماليين الذين فروا من القرن الأفريقي هربا من الحروب, فوجدوا أنفسهم محاصرين في بلد يتشعب فيه صراع مميت آخر نتج عنه الوقوع في شرك المجاعة المروعة.
ومن جانبها عملت الجارة الشمالية لليمن والمتمثلة في المملكة العربية السعودية- التي تصنف بأنها من أكثر الأنظمة قمعية في منطقة الشرق الأوسط والتي تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة الأمريكية – على تشكيل تحالف عربي ضم في طياته تسع دول تربعت الرياض على عرشه.
فقد اخذ هذا الحلف بقيادة السعودية على عاتقه شن غارات جوية عقابية بصورة مستمرة على اليمن, ولم تكتف الرياض عند هذا الحد فحسب, بل عملت على فرض حصار على الميناء الرئيسي والذي من خلاله يتم إمداد البلد بالمواد الغذائية.
إن السبب الذي جعل من كل هذا ممكناً بالنسبة للمملكة السعودية يكمن في تدفق الأسلحة إليها من الولايات المتحدة الأمريكية, إلى جانب قيام واشنطن أيضا بشن ضربات جوية مستقلة مما أدى إلى سقوط عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال.
وبالتالي كيف يمكن لهذا البلد الصغير الذي يعاني من الفقر المدقع والذي يصطلي بنيران الغارات الجوية المتواصلة والهجمات البرية أن يستوعب الآلاف والآلاف من المهاجرين اليائسين؟ فاليمن بات على وشك الانهيار الاقتصادي وعلى شفاء جرف من المجاعة.
يستورد اليمن 90 ٪ من احتياجاته الغذائية وبسبب الحصار المفروض فان أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية في تزايد مستمر, كما أن شحة هذه المواد أدى إلى تفاقم هذه الأزمة.
تشير التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة” اليونيسف” إلى أن أكثر من 460000 طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية, بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يُضاف إلى هذا العدد 3.3 مليون طفل وامرأة سواء أكانت حامل أو مرضعة يعانون من سوء التغذية الحاد.
وبحسب هذه التقارير أيضا تشير منظمة الأمم المتحدة إلى أن هذا الصراع أودى بحياة أكثر من 10000 شخص, بينهم 1564 طفلاً، ناهيك عن تشريد الملايين من الناس.لكن الأسوأ من ذلك أننا نشهد بزوغ فجر مجاعة ستلتهم كل من يحاول اعتراض طريقها.
وعليه نشرت شبكة الأنباء الإنسانية “ارين” مقال للكاتبة ايونا كريج تطرقت فيه إلى: ظل السيل البشري المكون من أكثر من 120 أسرة، ناهيك عن كون هذا العدد في تزايد مستمر جراء توافد أعداد أخرى من الأسر, يواصلون السير مشياً على الأقدام لما يقارب من يومين حتى تمكنوا من الوصول إلى المخيم الواقع جنوب غرب مدينة تعز, فقد هرب هؤلاء السكان من آخر موجة من العمليات القتالية التي اشتدت رحاها على ساحل البحر الأحمر متخذين من الأشجار المنتشرة على مرمى البصر والتي اعترتها طبيعة فصل الخريف سكناً لهم.
وحال وصول هذا السيل العارم من النساء والأطفال إلى هناك لم يجدوا ما يسدون به رمقهم, فمنظمات العمل الإنساني لا وجود لها, ليس هذا فحسب بل ان وجود طعام ومياه صالحة للشرب ,ومكان يقيهم بأسهم لم يكن شيئاً مذكورا.
كما تحدث كبار السن عن إمكانية تناول أجزاء من الأشجار كطعام من أجل البقاء على قيد الحياة, في حين اخذ الأطفال يجوبون المزارع المجاورة للمخيم مادين أيدهم للمزارعين من أجل رشفة ماء تروي ظمأهم.
ولم تقتصر صور المعاناة التي يعيشها النازحون في هذا المخيم عند هذا الحد, فقد وصل الحال إلى أن تحتضن الأم وليدها بين ذراعيها وعليه ملامح معاناته من سوء التغذية الظاهر عليه.
كان اليمن في 16 مارس المنصرم على موعد مع استهداف قارب كان يحمل على متنه لاجئين صومالين, حيث تعرض هذا القارب لغارة جوية أودت بحياة 42 شخصاً بينما كانوا يحاولون الهرب من اليمن، ولكن الغارة الجوية كانت لهم بالمرصاد.
وبحسب “ابراهيم علي زيد” احد الناجين من هذه الغارة: ” ذهبت إلى النوم في أسفل القارب وسرعان ما بدأ الناس يسقطون في قاع البحر عن يميني وعن شمالي, كما كانوا يصرخون: ”نحن صوماليين! نحن صوماليين!”, ولكن إطلاق النار استمر لمدة نصف ساعة على الأقل في رأيي.
ويقول الناجون من هذه الغارة أنهم تعرضوا لهجوم من قبل طائرة هليكوبتر, كما أن القارب كان يحمل على متنه 140 شخصا متجها إلى الشمال قبالة السواحل اليمنية.
ووفقاً لما أوردته الأمم المتحدة فإن الحرب على اليمن منعت اليمنيين والصوماليين من الهروب من أسوأ الأزمات الإنسانية الأربع التي تسير قدما, وما الأزمة اليمنية إلا واحدة من أربع أزمات تعصف بهيئة الأمم المتحدة.
وفي الوقت نفسه يتمتع مصنعو الأسلحة الأمريكية بما فيهم جنرال ديناميكس شركة رايثيون وشركة لوكهيد مارتن بمبيعات هائلة من الأسلحة المباعة للمملكة العربية السعودية.
ففي ديسمبر من العام الماضي أشارت الناشطة الحقوقية والكاتبة السياسية ميدي بنجامين في إحدى مقالتها إلى قول:” للأسف فإن الطبيعة القمعية التي يتمتع بها النظام السعودي والذي يتمتع بدعم من الحكومات الأمريكية لم يقتصر على الصعيد الدبلوماسي بل وأيضا على الصعيد العسكري, وذلك بإشراف من الإدارة الأمريكية المتمثلة بالرئيس بارك اوباما, فهذا يُترجم من خلال ارتفاع وتيرة بيع الأسلحة التي بلغت 115 مليار دولار.
لقد بات الوضع حرجاً للغاية وبالتالي يتوجب على جميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة العمل على إنهاء الغارات الجوية والحصار المفروض على هذا البلد، بالإضافة إلى إسكات دوي الأسلحة التي تؤرق مضاجع هذا الشعب وإيجاد تسوية تفاوضية للحرب في اليمن.
ويتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية اللتين تُعتبران الأكثر إضرارا بهذا البلد, صرف النظر عن المناورات الضخمة الدنيئة التي لا يمكن استيعابها ضد المنافس الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط المتمثل بجمهورية إيران الإسلامية والتي يدفع فاتورتها الباهظة الشعب اليمني.
كما يتوجب على الرأي العام الأمريكي أيضا المطالبة بإحداث تغييرات في السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية المسؤولة عن هذه المأساة المميتة التي يتجرع مرارتها الشعب الموجود في اليمن.
كما يتوجب على الشعب الأميركي اختيار مسار مغاير للسياسات المنتهجة في الولايات المتحدة الأمريكية في ما يخص اليمن من خلال المطالبة بوقف الغارات الجوية التي تشنها الطائرات بدون طيار, وقف جميع العمليات الخاصة للجيش الأمريكي, وضع حد لجميع صفقات بيع الأسلحة الأمريكية, وقف المساعدة العسكرية للمملكة العربية السعودية، وأخيرا تعويض أولئك الأشخاص الذين كانوا ضحايا الهجمات الأمريكية.
تبنى مجموعة من النشطاء منذ وقت طويل تحت مسمى “صوت في الصحراء” حمله ضد الحرب الاقتصادية الموجهة ضد العراق, فهذه الحرب عملت على فرض عقوبات اقتصادية أسهمت بشكل مباشر في وفاة أكثر من 500000 طفل.
لقد وجدنا أنفسنا تائهين بين الثقافة القاسية غير الواقعية والصمت الذي لا يطاق في ما يتعلق بالحرب الاقتصادية، وحاولنا بكل نية طيبة رفع مستوى الوعي تجاه المعاناة التي يعيشها اللاجئون ممن يحاولون البقاء على قيد الحياة.
لم نتمكن من رفع العقوبات الاقتصادية الوحشية التي فرضت على العراق وبالتالي علينا أن نواجه الحقيقة المرة التي مفادها عدم الاكتراث وتضارب الرأي لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
يجب علينا إلقاء نظرة حقيقية و تأكيد تضامننا مع الغالبية العظمى من شعوب هذا العالم.