وهي حكاية سردتُها قبل عقدين ، وحدثت معي – أو أحدثتُها – قبل ثلاثة .
وخلاصتها أنني كنت أذهب بنصوصي الأولى ، في مطالع العمر والكتابة ، الى رئيس القسم الثقافي في احدى الصحف فيردُّني خائباً : نصوصك غير جديرة بالنشر .. قصائدك ينقصها الكثير من الموهبة والمران .. حاول واستمر و …..
وأعود الى المنزل يائساً ، وأقول لنفسي : سأتوقف عن الكتابة نهائياً .. لستُ لها وليست لي . ربما أفلح في شيءٍ آخر .. ربما .
كانت الأيام تهرول .. وكان عنادي مستمراً في مضمار الكتابة . وفوجئتُ بصحف ومجلات تنشر نصوصي ، النثرية منها والشعرية . وقد شجَّعني ذلك على العودة الى رئيس القسم الثقافي في تلك الصحيفة .. غير أن الموال ظل على ذلك المنوال : نصوصك …. قصائدك …. حاول ….
وذات صباح فوجئتُ برسالة موجهة الى شخصي المتواضع من شاعر وكاتب عربي كان مقيماً في عدن حينها ويكتب زاوية منتظمة في احدى صحفها ، وكنتُ أرسل اليه نصوصاً ينشرها بانتظام وبدون اختزال .
كانت الرسالة تطلب مني الحضور اليه في مكتبه بالجريدة . وحين ذهبت اليه طلب مني العمل معه ، لاعتقاده بأن موهبتي تشي بمستقبل باهر في عالم الصحافة والأدب ، بحسب تعبيره وبحسب ما تضمَّنته رسالته الى رئيس التحرير لاستيعابي في المهمة التحريرية التي أختارني لها ذلك الكاتب والشاعر العربي الذي صار أعز أصدقائي في الفترة اللاحقة .
اثر هذه الواقعة ، قررت الانتقام من رئيس القسم الثقافي ذاك ، فذهبت اليه حاملاً قصيدة نشرتها مجلة ” العربي ” في عددها الأخير حينها ، وكانت القصيدة للشاعرة الكبيرة نازك الملائكة ، ولكنني أدّعيتُ أنها لي ، فاذا بردّه هو ذاته الذي لا يتبدّل : قصيدتك …. حاول ….
كان حينها صديقي الكاتب والشاعر العربي وعدد من محرّري وكُتَّاب الشأن الثقافي متواجدين في الغرفة ذاتها ، فاذا بي أُفجّر في وجه رئيس القسم الثقافي ذاك : هذه قصيدة نازك الملائكة يا غبي ! .. هل تعرف من هي ؟
وكانت الصاعقة على رأسي أنا ، لا هو ، حين أخبرني الجميع بعدها أن الرجل لا يفقه شيئاً ذا بال في الأدب ، وكل ثقافته منغمسة في بؤرة السينما المصرية أيام الخمسينات !
رحمة الله على جميع شخوص الواقعة ، بما فيهم أنا .
حسن عبدالوارث: حكايتي مع الملائكة.!
التصنيفات: أقــلام