قال الدكتور ياسين سعيد نعمان أن تقسيم الجنوب الى أكثر من اقليم سيستحضر تاريخا من الانقسامات وللهويات التفكيكية.
لكنه لا يرى أبدا ان نفس الفيدرالية قد تستحضر الانقسامات والهويات التفكيكية لو قسم الشمال لأكثر من إقليم.
وبما ان كل تصريح يحتوي على «معلن» و «مضمر» فإن المضمر قي تصريح ياسين ان الفيدرالية لا تنفع في البلدان التي شهدت انقسامات وصراعات سياسية وهوياتيه، وهذا عكس الواقع تماما.
فالفيدرالية ظهرت كحل وسط للحفاظ على الوحدة داخل بلد شهد انقسامات وصراعات حول السلطة والثروة والهوية.
أما اذا كان البلد موحدا ومستقرا وغير منقسم فلا حاجة له للفيدرالية.
ومن الخطأ النظر للفيدرالية على أنها «تقسيم» فكلمة فيدرالي تعني «اتحادي» والفيدرالية هي شكل من اشكال الدولة الموحدة.
تجارب الفيدرالية في العالم غنية ومتنوعة.
هناك 25 دولة فيدرالية في العالم يعيش فيها 40% من سكان الأرض.
طبقت الفيدرالية في بلدان ذات حكومات قوية، وبلدان ذات حكومات ضعيفة. وفي بلدان مستقرة وبلدان عاشت حروبا أهلية. وطبقت في دول غنية ودول أثيرت، وفي دول صغيرة و دول عملاقة.
كما شهد العالم فيدراليات ناجحة من تفكك دول مركزية كبيرة الى ولايات فيدرالية.
مشكلتنا الدائمة اننا لا ندرس تجارب الآخرين.
عندما انتقلنا للوحدة لم ندرس تجارب التوحيد الفاشلة والناجحة ، وحين قررنا الانتقال إلى الفيدرالية لم نهتم لدراسة اي تجربة فيدرالية.
المعايير المزدوجة للنخبة السياسية اليمنية كانت سببا في إشعال النار في فتائل كثيرة تحولت الى صراعات مزمنة.
وإذا كانت الفيدرالية مهمة لليمن لتوزيع السلطة والثروة وتفكيك هيمنة المركز المقدس، فإنها مهمة أيضا للجنوب لتوزيع أعدل للسلطة والثروة وتفكيك سلطة «المثلت» المقدسة.
هناك مضمر آخر في خطاب الدكتور ياسين وهو أن هناك «طبيعة» خاصة للشمال وطبيعة خاصة للجنوب تجعلهما اقرب ما يكون لشعبين مختلفين لا تنفع معهما نفس السياسات، وهو نفس خطاب أنصار الهوية الجنوبية المتفردة.
بقي لدي نقطة أخيرة…
أسبانيا والصين محسوبة من ضمن «فيدراليات الأمر الواقع» والمقصود بذلك أن الصراعات السياسية والاجتماعية فيها اضطرت الحكومات الى إعطاء سلطات فيدرالية واسعة وحكم ذاتي لبعض الأقاليم دون ان ينص دستورها على ذلك. فدستورها مركزي لكن واقعها اتحادي.
هذا ما يحدث حاليا في اليمن : الانتقال الى فيدرالية الأمر الواقع حتى قبل التحول الدستوري اللازم، بل ودون الحاجة إليه في المستقبل القريب!
من الملفت للنظر أن الأقاليم النفطية الغنية كانت السباقة لتطبيق فيدرالية الأمر الواقع.
فالفدرلة بدأت وليس أمامنا إلا ترشيدها وتقنينها وبناء القاعدة المؤسساتية والقانونية اللازمة لنجاحها..