مؤتمر حضرموت “الجامع” المنعقد في 20 أبريل الجاري 2017 أقلق الجميع .. وربما سبب بعض الإزعاج لحكومتي بلدنا في صنعاء والرياض .. مع أن قراراته المقلقة هي أحد أبرز نتائج ممارستهما, وهي بالتالي نتيجة طبيعية ومتوقعة قياسا إلى حجم الترويج السياسي والإعلامي للانفصال الذي تبناه مؤتمر الحوار الوطني(2013 – 2014).
مؤتمر جضرموت “الجامع” قسم حضرموت وقسم الحضارم أولا وأخيرا .. ذلك لأنه جاء بمقررات لا تخدم وحدتهم, لا في الوطن ولا في المهجر .
فحضرموت كانت في مختلف المراحل توحد الحضارم وتجمع شتاتهم في مهاجرهم, واليوم أصبحت تفرقهم, لأن ما يجري بداخلها وما يخطط لها لا يمثيل الهوية الحضرمية, وإنما يمثل هوية أحد مهاجرهم.. ويمثل رغبة وهوس سياسة مندفعة ومراهقة في الإمارات والسعودية على حد سواء .
تمزيق حضرموت بدأ منذ الصمت المطبق على انتهاك سيادة سوقطرة, الذي حذرنا منه وقلنا بأنه مقدمة لما بعده .. مقدمة لتمزيق اليمن وتوزيعه حصصا صغيرة لسماسرة وتجار. طامحين ..
** وطن امرؤ القيس:
حضرموت هي لوحة ربانية يتجلى فيها جمال الكون وإبداع الخالق .. هي دمون موطن امرئ القيس التي ناجاها بأجمل وأعذب الكلمات :
تطاول الليل علينا دمون
دمون إنا معشر يمانون
وإنا لأهلنا محبون
حضرموت , هي الإنسان المليء بالحب والتسامح والإبداع .. هي منارة العلم والثقافة الجامعة .. هي امتداد لحضارة إنسانية وتاريخ يمني عريق ..
حضرموت, هي حاضنة بحر العرب وعبق المحيط الهندي .. هي هبة صحراء الربع الخالي .. فإذا سهل ابتلاعها سيسهل ابتلاع ما بعدها .
ومن هنا, فمقررات مؤتمر حضرموت الجامع هي محطات اختبار جديدة في مسار مخطط تجزئة وتقسيم اليمن, وستصيب الوحدة بمقتل إذا ما تحقق لها النجاح .. ذلك لأنها أكدت على ثلاث نقاط جوهرية هامة وخطيرة هي:
1 ) “أن تكون حضرموت إقليمًا مستقلاً بذاته”.. و”يتمتع بسيادية كاملة”.
2 ) “أن تكون لحضرموت منطقة عسكريه مستقلة”
3 ) “يحق لأبناء حضرموت ترك الاتحاد متى رأوا أنه لم يعد على النحو الذي أتفق عليه”.
ذلك يعني بوضوح فصل حضرموت عن السيادة الوطنية اليمنية .. فهي بالتالي قرارات خارج إطار دستور الجمهورية اليمنية, وهي حتى خارج إطار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني, وخارج إطار ما يسمى ب”الشرعية” ورئيسها, الذي لم يعد أكثر من قفاز يمررون به وعبره أقذر مخططاتهم ضد اليمن وأمنه وسيادته.
المضحك في “مؤتمر حضرموت الجامع” أنه تبنى مقررات أخرى تتنافى كليه مع منطق أي اتحاد ومن أي منهج كان .. كالقول مثلا بضرورة ” أن يمثل أبناء حضرموت بنسبة 40 % في هيئات الاتحاد الرئيسية” .. وهذه هي الأخرى إحدى تصنيفات و”تشاعيب” وهوس الاتجاه نحو فصل حضرموت عن الجسد الوحدوي اليمني .
** الحراك – الاشتراكي:
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : أين فصائل الحراك الجنوبي التي روجت لانفصال الجنوب عن الشمال منذ 2007م ؟!
اليوم وبأجندة خليجية مدروسة يتم الترتيب لفصل حضرموت ليس فقط عن الجسد اليمني الكبير وإنما عن اليمن الصغير الذي أردتموه أن يكون صغيرا ومجزئا ..
أين ذهب حراك البيض , و باعوم, والشنفره, والنوبة, والناخبي ..؟! أين القوى التي ألهبت الشباب في تسابق مخيف على ركوب موجة الحراك الجنوبي واختطاف تمثيله .. أين أبونا حيدر العطاس, والمناضل محمد علي أحمد ؟!! .. أين ذهبت خطط هؤلاء ومشاريعهم .. ثم ما ذا هم فاعلون ؟!
ربما سيكون من المنطقي أيضا أن نسأل عن موقف الحزب الاشتراكي اليمني من قرارات “مؤتمر حضرموت الجامع” .. خاصة إذا ما أدركنا أن الحزب كان – ولا ندري هل لا يزال !! – يعتبر نفسه حامل هم الجنوب, والممثل الشرعي والوحيد للقضية الجنوبية.
ففي الوقت الذي كان فيه عقلاء الوطن يدعون إلى معالجة حقوقية للقضية الجنوبية, كان كبار قادة الحزب الاشتراكي ينظرون بحماس لحوار سياسي (شمالي – جنوبي), وينظرون لوحدة بإقليم جنوبي واحد وخمسة أقاليم شمالية, مع أننا لم نسمع بحزب أو قوة سياسية وطنية شمالية او جنوبية كانت تطالب بأقاليم في الشمال, لكن كان ذلك لغاية في نفس يعقوب ..!!.
والمهم اليوم, ما الذي يمكن للاشتراكي أن يفعله للحفاظ على وحدة حضرموت في إطار مشروع إقليم الجنوب الواحد الذي كان يتبناه وبروج له ..؟!
الذي نعرفه أن كبار قادة الاشتراكي أصبحوا اليوم منظرين لأمراء وشيوخ الخليج وإقطاعيات النفط بعد أن كانوا ينظرون للاشتراكية العلمية, وحماية الطبقة المسحوقة والبروليتاريا الرثة من جشع الإمبريالية العالمية .. لكن ذلك برأينا لا يمنعهم اليوم من أن يقفوا في وجه مخطط سلخ حضرموت عن اليمن .. أو بالأصح عن الجنوب الموحد الذي تبنوه ودعوا إليه .. فهم جزء مهم من “الشرعية” وهم جزء من مخطط الحرب, وهم أيضا مقربون جدا من شيوخ وأمراء النفط, الذين ينفذون أجندة تقسيم اليمن وتقاسمه ..!!
قرأت منشورا (غامضا) لأحد قادة الحزب هو السفير يا سين نعمان, قيل بأنه رد على مؤتمر حضرموت .. استعار في خاتمة منشوره بيتا من معلقة الشاعر عمرو بن كلثوم التي يقول فيها :
إلا لا يجهلون أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلين
والواقع كانت استعارة سعادة السفير جميلة وموفقة, لكن يا ترى كيف سيكون جهله على الجاهلين في مؤتمر حضرموت الجامع؟! .. هل سيحرك جحافل الاشتراكي في حضرموت لعقد مؤتمر حضرمي مماثل يلغي قرارات “المؤتمر الجامع” أم سيتوسط لدى أولاد زايد ومحمد بن نايف لوقف المهازل التي يمارسونها في حضرموت ؟! .. لا ندري .. ربما يكون الحل بيد الحزب الاشتراكي, وكما يقال “لا يبطل السحر إلا الساحر” ..!!
** ثوابت للوطن:
قلنا بصوت مسموع قبل عام من انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ( ضمن ندوة : الحوار الوطني .. طريقنا إلى التوافق والسلام – التي نظمها مركز الوحدة للدراسات الإستراتيجية في ما يو 2012) أنه وبالضرورة أن تحدد ثوابت وطنية للحوار, وتكون السيادة الوطنية, والنظام الجمهوري, والوحدة اليمنية, هي الثوابت والسقف الذي يجب أن يقف عليه الحوار ولا يتعداه أو يتجاوزه .. فذلك ادعى للمصلحة الوطنية ..
لكنهم قالوا : لا .. بل نريد أن يكون “سقف حوارنا السماء” .. ولم يدركوا أن السماء هو الفضاء المفتوح .. حيث التحليق الذي لا نهاية له .. وحيث يتساقط فيه الصغار وتتمزق أشلاؤهم فيموتون بلا هوية ولا وطن .. وحيث لا يمكن لأحد أن يلتفت إلى عويلهم وصراخهم .
ولذلك لم يكن مؤتمر حضرموت “الجامع” هو السباق إلى الحديث عن استبدال الهوية الوطنية بهويات المناطق والقرى فقد سبقهم إلى ذلك مؤتمر الحوار الوطني الذي شجع على رفع أعلام الانفصال بداخل قاعاته, وشجع على الفرز القذر للهويات المذهبية, والطائفية, والجهوية والمناطقية.
وإذن, فحضرموت تحت الخطر واليمن كله تحت الخطر ويسير نحو المجهول .. ولا أمل إلا بوقف تداعيات الحرب ولجم أسبابها .. ما لم سيكتشف المتقاتلون أنهم لم يفرطوا بالسلطة التي يتقاتلون عليها بل سيفرطون بكل الوطن.
ولا عزاء للضعفاء ..
*رئيس مركز الوحدة للدراسات الإستراتيجية