استدعت مسرحية “ليلة سقوط طيبة” من تأليف واخراج حكيم حرب الاسطورة اليونانية من خلال مسرحية” انتيغون” التي كتبها المسرحي الاغريقي سوفوكليس، واسقطتها على الراهن العربي باسلوبية مسرحة المسرح.
العرض المسرحي الذي اتكأ على الكوميديا الخفيفة، يتحدث عن فريق تمثيل تلفزيوني او سينمائي يقوده مخرج ادى دوره الفنان عمران العنوز ويعمل على عصرنة حكاية انتيغون، وتتداخل خلال العرض المسرحي اللوحات بين مشاهد حكاية انتيغون ومشاهد ما يحدث في الاستوديو ويتولد من هذه التداخلات والفضاءين الافتراضيين لكل من الحكاية والتصوير في الاستوديو، المفارقات والاسقاطات بدلالاتها ومحمولاتها المختلفة علاوة على العرض البصري “للداتا شو” الذي شغل ستارة بيضاء على “السيكوراما” كشاشة له، وتوظيفه كعلامة بصرية كجزء من فضاء الديكور، او علامة سمعبصرية عن الحروب والدمار ومشاهد شارك فيها الفنانان نبيل كوني وصلاح الحوراني في مشاهد مرئية ضمن التوليفة العصرية لحكاية انتيغون وحملت اسقاطاتها على الراهن العربي ايضا.
استهلت مسرحية “ليلة سقوط طيبة” مشاهدها بعرض بصري يكشف عن جدار من الطوب الصلد ونافذة علوية اعلى يمين الصورة المتحركة تخترقه ومضات سريعة بيضاء بين الحين والاخر للدلالة على البرق بمصاحبة مؤثر صوتي لزخات المطر وموسيقا ذات ايقاع بطيء ومرتفع، ما تلبث ان تدخل شخصية فتاة بزيها الاسود العصري من اقصى يمين عمق الخشبة لتصعد على صندوق بدرجتين تموضع في ظل بقعة اضاءة بيضاء بمنتصف الخشبة التي اكتنفها شبه تعتيم على باقي ارجائها في الوقت الذي يتراءى على يسار الشاشة حبل مشنقة يتدلى معلنا عن مشهد اعدام، يقطعه دخول العنوز بوصفه مخرجا رافضا للمشهد ومطالبا بإعادة توليف حكاية انتيغون بأسلوب يحاكي العصر الحالي كما يراه هو.
وفق المخرج حرب الذي أدى فيه شخصية كريون بتماثلاتها مع صورة الحاكم والضابط الامني الكبير، بتحقيق نظرية “الفوضى او اللامتوقع” للكاتب والمؤرخ العلمي والصحافي جيمس غليك والمتمثلة بأن “كل فوضى هي لا نظام، ولكن ليس كل لا نظام فوضى” وتعني أن ما يظن من ظواهر الطبيعة من فوضى أو عشوائية هي أبعد ما تكون عن هذا التصوُّر، فظواهر الطبيعة مبنية على قوانين حاكمة، ولكنها قد تخرج عن حالة النظام إلى اللانظام لأسباب تحاول أن تفسَّرها النظرية، ومنها انطلق مشهده الاول ليحقق منه كسر الايهام، وتعزيز الدهشة، وحالة اللاتوقع، لدى المتلقي ولتمثل مفتاحا وثيمة للعرض، ولاسيما ان المخرج يطرح عددا من التساؤلات في كتيب العرض تفضي جميعها الى عبارة “الطبخ السياسي”، ومن هنا يأتي العرض، الذي قد يبدو لغير المتعمق، متشظيا، غير انه جاء محملا بالفكر، والسخرية التي حضرت في الشخصيتين اللتين أداهما العنوز وإياد الريموني، في الحالتين اللتين تعكسان كذلك ما يسمى بأثر الفراشة او الفوضى، الحكاية المعاصرة لانتيغون وشخصياتها من جهة وحكاية تصوير الفيلم وشخصياتها من جهة اخرى، ومن خلال الحكايتين يتجلى ان هناك تقاطعا يتمثل بحضور “قوة ما” وهي من تدير اللعبة وتحيكها وتلونها كما تشاء، في حكاية انتيغون تتجلى شخصية كريون القاسي فيما في حكاية التصوير تتجلى شخصية المخرج الساخر والكوميدي.
كما وفق حرب بتوظيف قدرات وامكانات العنوز الفنية الكوميدية دون انجرار نحو المبالغة والتهريج وانما جاءت متسقة مع الفكرة والسياق الذي يخدم العرض ويحيل المتلقي الى ان ما يشاهده انما انعكاس للراهن الذي يثير السخرية ومن هنا جاءت شخصية الريموني دائمة الضحك بلا مبرر بشكل يثير الضحك وكأن هذه الشخصية من خلال ضحكها الهستيري في كلتا الحكايتين المتداخلتين تسخر من المشاهد وتسخر مما يجري ولربما تريدنا ان نسخر معها من الراهن العربي الذي يصاغ ويُشكل بغير حقيقته انما هو طبخ سياسي، بفعل قوى أخرى، بالإضافة الى توظيف الداتا شو في خلق فضاءات موازية ومكملة للعرض في سياقاته.
النص المنطوق الذي جاء سواء بالمحكية في مشاهد تصوير الفيلم، والفصحى في مشاهد حكاية انتيغون العصرية ومشاهد العرض البصري، حمل العديد من المضامين والدلالات الرمزية والاحالات على الراهن العربي، فيما جاء الاداء التمثيلي والحركي متفاوتا لفريق العرض والداتا شو، الا ان العنوز استطاع ان يقدم اداءً مميزا في الوقت الذي لم يكن الاداء التمثيلي والصوتي للوجه الجديد روند الصالحي موفقا، كما عبرت الازياء التي جاءت عصرية تحاكي الواقع عن الشخصيات وادوارها، وعملت عناصر السينوغرافيا الاخرى من اضاءة وديكور واكسسوارات وموسيقا وبدرجات متفاوتة على تحقيق حد مقبول من التكامل مع العرض.
كما شارك في التمثيل يوسف كيوان والف الموسيقى عبد الحليم ابو حلتم وسينوغرافيا نضال جاموس وتقنيات فيلمية اسحق ياسين..