عدن/ رعد الريمي
لقد بحت أصوات المهتمين حول ما تتعرض له مباني ومنشآت ومعالم تاريخية من هدم وإحلال، ناهيك عن الإهمال المتعمد من قبل السلطات المتعاقبة السابقة والحالية للموروث العمراني والتاريخي لمدينة عدن من قلاع وحصون ومساجد ومدارس ومنازل متميزة ومبان حكومية.. مستنكرين ما تعرضت له الكثير من المنشآت الهامة من تدمير كلي أو جزئي خلال الحرب العبثية الأخيرة، محملين في ذلك كل أطراف الحرب، نظراً لما جرى فيها من نهب لمحتويات بعض من هذه المعالم، كمعلم المتحف الحربي بعدن القديمة وفندق الهلال «الكريسنت» بالتواهي وغيرها.
تأتي هذه الدعوات في ظل هذا الظرف الهام للوقوف ضد تزييف وتدمير هوية عدن ومعالمها التاريخية والحفاظ على مدنيتها وتاريخها وتراثها المتنوع من العبث والإهمال الذي يطالها بقصد أو بغير قصد.
عبث بالهوية
ويعتبر المهتمون في الجانب المعماري ذلك العبث مساساً بالهوية العدنية واليمنية، مشيرين إلى ما أحدثه هدم مسجد حامد السقاف من انقسام وتوتر مجتمعي مازالت تتواتر تداعياته وستستمر إلى حين.
ناهيك عن نوايا قوى متطرفة لإحداث فتنة دينية ومجتمعية، في ظل وجود تخوف من تكرار مثل هذه الأفعال الضارة بتاريخ المدينة وأهلها.
علاوة على ما تتعرض له من ظلم وعدوان، في ظل ضعف إمكانيات الجهات المختصة لحماية الموروث التاريخي والأثري والعمراني والمتمثلة بالهيئة العامة للآثار والمتاحف وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة.
استشعار الخطر
ونظراً لما يستشعرونه من خوف تجاه قائمة من المنشآت والمباني الأثرية يخشون أن ينالها من الدمار ما نال سابقها. متنبئين ببعضها ومطلعين على بعضها الآخر من خلال صدور قرارات بهدمها وإزالتها، مثل مبنى الهيئة العامة للسياحة وفندق الهلال.
فيما بعضها مازال واقعاً في دائرة الخلاف لذات العابثين بين الترميم أو الهدم، كمدرسة لطفي أمان التي يزيد عمرها عن 160 سنة، ومسجد ومقبرة جوهر الذي يزيد عمره عن 700 سنة.
أو ما تعانيه عدن من انتهاك لحرمة الهوية المعمارية، مستعرضين في ذلك نماذجاً، كتوسع البناء العشوائي في قلب صهاريج عدن، والبناء العشوائي في مهلكة الفرس أو «برج الصمت»
أعلى الصهاريج
وكذا هدم الصهاريج المعلقة، وتخريب المنشآت والقلاع والأسوار الأثرية والحصون في معسكر الجيش بجبل حديد «البرزخ الكبير والبرزخ الصغير».
إضرار
كل ما سبق من تدمير ممنهج طال هوية عدن المدنية التي تشرئب إليها قلوب وأفئدة الزائرين، والذي بدا التناقص في وجود هذا التطلع من خلال ما يمارس بشكل يومي من هدم تعرضت له مباني مدينة عدن القديمة.
ليأتي بالإنابة عنه مبانٍ ليس لها علاقة أو صلة بالنمط العمراني والتخطيطي للمدينة، مما عرض المدينة وعلى الأخص «عدن القديمة والتواهي» لأضرار يصعب معالجتها واختفاء الكثير من معالمها إلى الأبد.
انتقادات
وفي زيارة لعدد من تلك المواقع واستطلاع أراء عدد من المهتمين في هذا الجانب، ومناقشة القضية معهم، خرجنا بالتقرير التالي.
يقول عميد كلية الهندسة بجامعة عدن الأكاديمي المتخصص في قسم الهندسة المعمارية- الدكتور/ صالح محمد مبارك إن العمارة التقليدية في مدينة عدن تعتبر نتاجاً طبيعياً للتفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية، وتميزت بتفردها بصفات وخصائص معينة نابعة من ثقافة وتقاليد وقيم ومفاهيم المجتمع وبيئته العمرانية في وجود وترسيخ عمارة محلية مميزة هي مثال للعمارة العدنية.
موضحاً أن الانــفتاح الحضـاري على العالم الخـــارجي، والنمو العمراني الذي شهدته مدينة عدن أدى إلى تغيــيرات جذرية في بـــنائها الحضري والمعماري ومن واقعها التقليدي إلى واقع جديد يتسم بالحداثة والتجـــديد بنشوء تحولات عديدة وتغيــيرات في خصــائص النمــــــو العمـــراني وانتشــار المظــــاهـر المعمارية الغريبة، وتدهور الطــابع المعماري التقليدي والنـســـــيج العمـراني، أثر على الهــــوية المعمارية لمدينة عدن.
ويضيف:» لا يعني التمسك والحفاظ على التراث المعماري، التمسك بالقديم والخوف من تجربة الحداثة ومواكبتها، بل إعادة صياغة القديم بروح العصر الحديث بما ينسجم وأصالة الحضارة وقيمها وجذورها».
مؤكداً إن الحفاظ على التراث المعماري مسألة على جانب كبير من الأهمية، ووسيلة لقياس درجة الحضارة لشعب معين، وذلك نسبة إلى درجة الحماية التي يوفرها المجتمع وقوانين الدولة لقيم البيئة الحضرية والريفية أو السماح بتخريبها.
تحولات
الأكاديمي المتخصص بكلية الهندسة عدن يشير إلى إن مدينة عدن التي حملت هويتها بعداً عميقاً عبر التاريخ وخصائص ومعالم أساسية عكست حضارتها وغناها، تشهد تحولاً جذريا من واقعها التقليدي إلى واقع جديد يتسم بالحداثة والتجديد..
ويقول : تلك يعاني منها واقع العمارة المحلية المعاصر ومتطلباته بفعل عمليات التصميم غير المسؤولة وغير المدروسة التي لا تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الواقع المحلي، وتقحم أشكال وعناصر غريبة عشوائياً تقود إلى حالة من الفوضى في العمارة المعاصرة تفقد معها العمارة المحلية خصائصها وتسبب ضياع الإرث المعماري المحلي.
ويذكر الدكتور/ صالح مبارك أن من أهم الأسباب التي تقود إلى الفوضى في العمارة، تكمن في قطع الصلة مع الموروث المعماري السابق في عمليات التصميم وتوليد عمارة معاصرة تنتج أشكالاً وعناصر تتصف بأنها غير متجانسة مع بعضها ومنفصلة عن الأصول المعمارية للسياق ومنقطعة عنه.
جهود
الواقع المزري الذي وصلت إليه مدينة عدن جعل جهود عدد من المهتمين يتداعون لهذا الخطر الذي يسحب البساط عن مدينة عدن ألقها.. من هذه الجهود ما نظمه مركز الرشيد للتنوير والتدريب بمحافظة عدن، ندوة تحت عنوان «المشاكل الحضرية المشكلة تحديات في مسار مدينه عدن».
الندوة قدمها الدكتور/ حسن محمود الحديثي، أكاديمي في جامعة عدن، وحضرها الدكتور صالح علي باصرة، والدكتور أمين علي محمد، والدكتورة أسمهان عقلان، والدكتور عادل عبد المجيد، وعدد من طلاب الماجستير والدكتوراه والمختصين في مجال التراث المعماري.
وتطرقت الندوة إلى بروز مشكلة المناطق السكنية العشوائية، المتسببة بتراجع ظهور التحضر على الشكل العمراني، بالإضــافة إلى ظهـــور الـتريف، وانعدام التوازن لمدينة عدن في واقع البنية التحتية ومشاريع الإسكان غير الموجه وشكل المدينة في المظهر الخارجي.
تحذيرات
فيما يرى مراقبون أن ما تعيشه عدن من انحدار مكن بعض العابثين من التفنن في عملية السطو والعبث بالمعالم الأثرية وأثارها.
تطرق الحاضرون والمختصون في الندوة إلى كارثة ببروز مشكلة العبث العمراني وتمثلها في الازدحام المروري في المدينة، مع تفاقم مشكله التجاوز داخل أراضي الميناء، وخطورة العمران في موقع مطار عدن، باعتبارها تحدياً في مسار تطور المدينة في الشكل والحجم والأداء الوظيفي.
وحذروا من معضلة التأثيرات المكانية لتطور وتراجع الأساس الاقتصادي للمدينة على نوع وطبيعة وحجم المشاكل الحضرية.
ويبدي المراقبون قلقاً بارزاً من استمرار الوضع الذي تعيشه عدن، منبهين من المخاطر التي تجتاح كثيراً من معالم عدن ومواقعها الأثرية والتاريخية بفعل عشوائية البناء حول هذه المعالم أو صرف بعضها لبناء مساكن أو محلات تجارية حتى طال الخطر قلعة صيرة المحاصرة بأعمال النحت والحفر وتحويلها إلى مساحات للبناء في بطن الجبل، وكذا هدم جزء من مبنى المتحف الحربي وسرقت حجارته وسياراته وبعض مقتنياته في ظل السلطة الحالية.
مبادرات
على صعيد متصل بادر عدد من المهتمين في محافظة عدن بالدعوة إلى الإعلان عن تشكيل فريق بقرار إداري من السلطات المحلية المعنية بالمحافظة مولية جملة من المهام تحت سقف زمني لإنجازها.
واقترحت المبادرة جعل عدد من أولويات هذه المشاكل المعمارية وما تتعرض لها ضروريات يجب الحد من استمرارها، كقضية هدم مسجد حامد وبرنامج إعادة تأهيل المنشآت والمباني التي تعرضت للقصف والتدمير بسبب الحرب والمباني المزمع إعادة تأهيلها ومنها مدرسة لطفي جعفر أمان ومبنى السياحة وفندق الهلال.
وترى المبادرة أن يكلف الفريق بوضع برنامج وخطة عمل يقوم بتنفيذها.
مناشدات
وقد توجه عدد من المهتمين، في ندوة نظمها مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر بالتعاون مع قسم التاريخ بكلية التربية- جامعة عدن مطلع الشهر الجاري بمناشدة محافظ عدن- اللواء/ عيدروس الزُبيدي ومدراء مديريات المحافظة وكل الجهات المعنية والأهالي بالحفاظ على هذا التراث الثقافي التاريخي لعدن.
وكذا اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع العبث والإهمال والتدمير لهذه الثروة الثرية والتاريخية وإيلاء عناية خاصة بالتوصيات التي هدفت إلى الاهتمام بالآثار، في ظل ازدياد ظاهرة العبث والإهمال بثروة عدن الأثرية والتاريخية التي يجب أن تحظى باهتمام رسمي وشعبي للحفاظ عليها وحمايتها وترميمها وفتحها للزوار، لتظل ذاكرة تاريخية تربط الأجيال بماضيهم الحضاري ومواقع جذب سياحي للمواطنين وللأجانب..