لم يعرف تاريخنا اليمني المعاصر مسمى الجنوب والشمال والقضية الجنوبية إلا بعد قيام الدولة الوطنية اليمنية المستقلة في عام 1918 م وما بعد حرب صيف عام 94م ، ففي الحالة الأولى المستعمر البريطاني لأهمية باب المندب العسكرية والاقتصادية ورغبة منه بالاحتفاظ بقواعده العسكرية وتحكمه بالممرات المائية عمل جاهدا لفرض واقع في الجنوب بعيدا عن الهوية الوطنية اليمنية ، ففي عدن والمحميات الغربية شجع الهجرة الأجنبية من مستعمراته في الهند وشرق أفريقيا وفي 11 فبراير 1958 م طرح مشروعه ( الكولنيالي ) الجنوب العربي , أما في حضرموت حاول تحفيز هوية ( الحضرمة ) لوحدة محمياته الشرقية ( السلطنة الكثيرية + السلطنة القعيطية ) ومترافقا معهما شن الاستعمار البريطاني وبتزامن مع أدواته في المنطقة (السعودية) عدوانا على اليمن المستقل ثلاثينات القرن الماضي , ولأن تلك الهويات غير متجذرة في المجتمع الجنوبي لم تصمد أمام الرفض الشعبي لها ولعبت الحركة الوطنية الناشئة بطابعها الوحدوي دورا في إسقاط تلك المشاريع الصغيرة، عامل آخر تشكل مع تطور الحركة التجارية بميناء عدن وزراعة القطن خمسينيات القرن الماضي في ابين ولحج عملت على هجرة داخلية جعلت من عدن ودلتا ابين ولحج ذات أغلبية سكانية من تعز وتهامة ، ضف إلى ذلك قبائل حضرموت وخاصة ( الكثيري( وهي عدة قُبل ( الدولة , بن طالب, بن عبدات ,بلفاس .. الخ ( وأصولها ترجع من الجوف شمالا ضف لكل ذلك مكون ( الهاشميين ) ببعده الوحدوي الإسلامي ، كما ساهمت وحدة التاريخ والثقافة التي جذرها الإسلام في تعميق الشعور الوحدوي عند اليمنيين رغم توزعهم على دويلات بفعل عوامل خارجية واطماع سلطوية , عمق ذلك الشعور الوحدوي عند اليمنيين إليه وحده يعود الفضل بفرض وحدة 22 مايو 1990 م , القوى السياسية الموقعة على الاتفاقيات الوحدوية لم تكن بالأصل صادقة الإيمان بالوحدة وأدل على ذلك أنه قبل أن يجف حبر الاتفاقيات الموقعة بين شركاء الوحدة بدأت المكايدات بينهما ووصلت إلى حرب صيف عام 94 م ، مع إن الحرب بين شركاء الوحدة واليمنيين مرفوضة من حيث المبدأ لكن تعمقت الإشكالية ما بعد الحرب ، المنتصر كان يمكنه ان يرتب أوضاع الجنوب في أطار الوحدة لكن ما أعاق ذلك أن من استلم الملف الجنوبي الجنرالين الفارين محسن و هادي وحزب الإصلاح التكفيري وآل الأحمر الذين استباحوا الجنوب حتى وصل الأمر إلى خدش الوعي الجمعي الوحدوي عند الجنوبيين وأسس لجدار الكراهية الذي أخذ في الاتساع طولا وسماكة، واقع شكل أرضية لانطلاق الحراك الجنوبي الذي مواجهته بحلول أمنية بدلا عن الحوار السياسي دفع وبقوة قوي جنوبية إلى رفض الوحدة بل ومغادرة مربع الهوية اليمنية التي باسمها ترتكب المظالم ، هنا نلفت إلى أن وحدة المظلومية والاستهداف على أسس عنصرية ومذهبية أوجد تعاطف أخذ في التصاعد بين الحراك الجنوبي وأنصار الله في أقصى الشمال ( صعدة) , لهذا والكل شاهد عند تقدم الثوار في عمران ومطاردة آل الأحمر وحزب الإصلاح وقائدهم العسكري ((القشيبي ) كان كل ذلك محل ابتهاج الجنوبيين وصولا إلى انتصار الثورة في 21 سبتمبر 2014م ، سقوط نظام الوصاية أثار هلع النظام السعودي وسيده الأمريكي الذي لم يستوعب حقيقة ذلك السقوط الكامل لأدواته العسكرية والقبلية والدينية من صنعاء وشمال اليمن ، واقع جديد دفع دول الوصاية تتجه جنوبا وشهدت فعالية 14 أكتوبر 2014 م في ساحة العروض /خور مكسر حجم الاختراق السعودي القطري الإماراتي للحراك الجنوبي وبدأت حركة العداء تتصاعد حدتها بين الحراك الجنوبي وأنصار الله ، ذلك الواقع التآمري لا يبرئ ساحة أنصار الله التي مع الأسف لم تكن تقييماتها واقعية وأخطاء أفرادها وعدم التنسيق مع عناصر جنوبية من داخل الجنوب قاد إلى النتيجة الحالية.
ان تقييم ما حدث في الجنوب يحتاج الى وقت كافي تتجلى فيه الكثير من الأمور وتتضح فيه الكثير من الحقائق التي لا زالت مغيبة ، لكن تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب بدفع من قبل منافقي العدوان (هادي + حزب الإصلاح ) لتمكين تنظيم القاعدة وأخواتها من الجنوب لتتوفر الذرائع للتدخل الأمريكي والأجنبي وهو ما سبق وحذر منه مبكرا الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه ) يتطلب جدية التحرك جنوبا ، كما أن قوى العدوان الأمريكي السعودي وعبر منافقيها تحاول اليوم إفراغ الجنوب من عناصر القوة لمقاومة تلك التنظيمات الإرهابية من خلال استغلال الظروف الصعبة للشباب في المحافظات الجنوبية وتجنيدهم في حرب الحدود وباب المندب ضد وطنهم وثورة شعبهم التحررية ، من هنا تكتسب أهمية إبداع الوسائل النضالية في كيفية التعامل مع الحالة الجنوبية لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل أولا في تحييد الجنوب على طريق إعادة الاعتبار للشراكة الوطنية الجنوبية مدماك وحدة قابلة للاستمرار، الوصول السلس للهدف يمر عبر القدر على إبداع وسائط سياسية وثقافية وإعلامية … الخ ، تلك الأدوات التنفيذية عليها قبل كل شي أن تكون واقعية ومرنة وتحظى بقبول لدى المزاج الشعبي الجنوبي في اللحظة الراهنة والتطابق معه ليس للسيطرة عليه ولكن لتجاوزه إلى الحالة الصحية السوية في أطار الوطنية اليمنية.
إن قدرة قوى ثورة 21 سبتمبر في التعاطي مع الحالة الجنوبية المريضة حاليا ليس لمصلحة الثورة فحسب بقدر ما هي مصلحة إستراتيجية لكل اليمن وضمانة لهزيمة العدوان وكل مشاريع قوى الوصاية ، حجم التحدي كبير وهزيمة العدوان تعتمد على نجاح القدرة على التعامل مع الحالة الجنوبية وإعادتها للحالة الوطنية اليمنية المقاومة للمشاريع الصغيرة صنيعة الاستعمار والصهيونية والرجعية , لهذا فإن إعفاء الطاقم السابق المتابع للملف الجنوبي في المجلس السياسي لأنصار الله لدليل على جديه وأهمية الحالة الجنوبية الذي يستشعر بها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي , تقييم موضوعي جاد لا يقف فقط عند إعفاء طاقم محدد بعينه بل تمت عملية مراجعة نقدية للإيجابيات القيادة السابقة والتأشير بوضوح لمواطن الضعف والتقصير وهذه هي الحالة الثورية الصائبة الرافضة للتقوقع والجمود .
حسين زيد بن يحيى: كيفية التعامل مع الحالة الجنوبية ؟
التصنيفات: أقــلام