… ونحن في اليوم الأوّل لإدارة الرئيس الأمريكيّ الخامسِ والأربعين : دونالد ترامب ، نقِفُ لنتساءلَ ، بمنطقِ ” المُقَيَّدِ المُنتَظِرِ” الذي يتسقّطُ ملامحَ ” جلّادِهِ” البديلِ ، وقسَماتِ وجهِهِ ، ودلائلِ التعابيرِ في تفاصيلِ أقوالِهِ وحركاتِهِ : هل مِن جديد ؟ ثمّ يقفزُ نقيضٌ له : وهل أتانا ، يومًا ، مِنَ ” الغربِ ، ما يسرُّ القلب ؟! ” مع كلّ تغيّراتِ الإدارات الأميركية المتعاقبة، لا سيّما ما يخصّنا نحن – العرب – ؟!
ربّما رأى البعضُ شيئًا من التسرّعِ في الأحكامِ على أقوالِ ” ترامب ” كَمُرشّحٍ للرّئاسة ، وطلبَ الإنتظارَ لِما سيأتي بعدما أصبح رئيسًا : وهو على حقّ … ولكن ، إلى حينها ، يصحّ أنْ نُراجعَ :- لِلْعِبْرَةِ ، فقط – ” ألمفهومَ الأميركيّ ” لِحُكْمِ العالَمِ ، على قاعدة أنّ ” الملسوعَ يخافُ من جرّ الحبْلِ لأنه يتطيّرُ منه ، ويظنّه ثعبانًا “. فلْنستمِعْ إلى فلسفةِ الرئيس الأمريكيّ السادسِ والعشرين : تبودور روزفلت الذي افتتح حكمَه مع عتَبَةِ القرن العشرين 🙁 1901- 1909 ) ، حول نظرةِ أميركا لِنفْسِها ، و لِلعالَمِ ، وهذا بعضٌ ممّا كان قد قاله :
” كلّ تاريخِنا الوطنيّ ، كان تاريخًا للتّوسّع : ففي عهدِ ( جورج ) واشنطن وآدامس توسّعنا غربًا حتى المسيسبي ، وفي عهد جفرسون توسّعنا في القارّة حتى ثغر كولومبيا . وفي عهد مونرو توسّعنا في فلوريدا … فيما ينشط التوسّعُ في ظلّ كلّ حكومةٍ أميركية … إنّ قضيّةَ التوسّع هي أساسًا قضيّة السلام … فليس هناك من يبسطُ السلام في العالَمِ إلّا القوّة الحربيّة للشعوب المُتحضِّرة . ألعربُ ، مثلًا : دمّروا حضارةَ شواطئ المتوسّط . والأتراكُ دمّروا حضارةَ جنوب شرق أوروبا … أمّا النّقيضُ الذي نفعلُهُ ، اليومَ، والذي أدّى إلى انحسارِ هؤلاء البرابرة بعد أنْ غزَوْناهم واجتحناهم ، فقد حلّ السلامُ حيثما تقهقَرَ هؤلاء وانهزموا . وما كان ذلك ليتمَّ لولا أنّنا ما زلنا نصقلُ موهِبَةَ القتالِ فينا ونتوسّعَ شيئًا فشيئًا في المجاهلِ التي يسكنها البرابرة “؟!
لو دقّقْنا في كلّ كلمةٍ ، لَوَجدْنا أنّ قرنًا بكامله بعد روزفلت ، وحتى الآن ، يسير – بكلّ إداراتِهِ- على المنوالِ نفسِهِ ، وبوتائر أفظع تتناسبُ مع تطورّ اختراعات آلات الفتْكِ والدمار : حيث شنّت أميركا مئاتِ الحروب – ولا تزال- ضدّ شعوب العالَمِ : بينها حربان عالميّتان ، وقنبلتان ذرّيّتان على ناغازاكي وهيروشيما ، مع استعمال اليورانيوم المنضّب والتكتيكيّ وكل الأسلحة الأخرى المحرّمة دوليًّا ، مهما بلغت ضراوتُها في القتل والتدمير …؟!
وإذا كانت تركيا قد نالت نصيبها وأُخضِعَتْ وأصبحت ” بوّابة حلف الأطلسيّ ” فما هو نصيبنا ، نحن العرب ؟!
كان لنا الحصّةُ الأكبر من ” ساديّة التعذيب الأميركيّ ” : سايكس – بيكو ، ووعد بلفور ، وزرع ” إسرائيل ” في قلب وطننا ، ومساعدتها ومشاركتها في العدوان الدائم والمستمرّ علينا ، واحتلال أراضينا ، ومساعدة حكّامنا – عملائهما – علينا ، ثم إشعال الحروب الإجرامية التدميرية في كل ما سُمِّيَ بلدان ” الربيع العربيّ ” ونهب خيرات البلاد ، و الإمعان في استكمال تقسيمها إلى طوائفَ ومذاهبَ وإثنيّاتٍ وجماعاتٍ ” عِرقيّةٍ وقوميّة ” وابتداع منظماتٍ إرهابيةٍ تكفيريةٍ كأدواتٍ تخدم مشاريعهم النّهْبيّة ، ولعل عهد باراك أوباما صاحب الخطاب ” الإسلاميّ الشهير ” في ” شرم الشّيخ ” ووعودِهِ الخلّبيّة خير دليلٍ على تكذيب الأفعالِ للأقوال ؟؟!
وها هو ” ترامب ” : فَلْنَدَعْهُ يفعل ما يرغب داخلَ حدود أمريكا وإثنيّاتها وملا حقته لِمَن يعتبرهم ” دخلاء – غرباء- مُهاجرين – وزنوج ” – خارج العِرق الأبيض – من كل القوميات والأديان ، ولْنَرَ ماذا يطالُنا – نحن – كعرب في بلادنا :
بدايةً : حضرَ قَسَمِهِ اليمين الجمهوريّ ثلاثةُ مندوبين عن المستوطنات الصهيونية : المستحدثة في الضفة الغربية ، بدعوةٍ من مقرّبين لِترامب – في سابقةٍ هي الأولى من نوعها كحضور – وهذا له دلالةٌ تتعلّق بالموقف الأميركيّ من تأييده لاستمرار الإستيطان والإمعان في انكشاف أكذوبة ” الدولتين ” داخل فلسطين المحتلّة ، وتاكيد لوعده للكيان الصهيونيّ بنقل ” عاصمته ” إلى القدس المحتلّة بعد تهجير من بقِي من سكانها العرب ، ولذا تمّ تعيين سفير أمريكيّ صهيونيّ يلائم المهمّة : ديفيد فريدمان . كما اختار ترامب وزيرًا للخارجية : خبيرًا بالنفط والغاز : يُتقِنُ النهبَ والصفقات ، لا سيّما وأنّ أمريكا تقع تحت دَيْن 20 ألف مليار دولار … ووزيرَ دفاعٍ :جيمس ماتيس : ” المُتعطّش للدّماء ” … وإذا كان ترامب يريد – كما وعد – مكافحة ” داعش ” على قاعدةِ سَلَفِهِ أوباما الذي قصف الجيش السوريّ في دير الزور لتسهيل مهمة الإرهاب التكفيري في السيطرة عليها ، أو كما حدث في الموصل وحلب وغيرهما : فنحن أمام تأجيجٍ للصراع … وبدلَ أنْ نتوسّع في الحُكْمِ على الأقوال والنوايا ، يمكن القول لكل ” المتفائلين بالأمنيات” أو المتشائمين ، عن حقّ : نحن الآن في رحى الحروب ، ولسانُ حالنا كما عبّر عنه الشاعر :
ألهَجْرُ أقْتَلُ لي ممّا أُراقِبُهُ أنا الغريقُ فما خوفي منَ الْبَلَلِ ؟!
هي دعوةٌ للاعتماد على الذات … كفانا تقاعسًا عن الأفعال وإحلالًا للأمنيات بهدف إرضاء الذات، و إراحةً كاذبةً للضمير … فالعمل المقاومُ بابُ الخلاصِ الذي أثبت نجاعَتَه … وما عداه : سرابُ ماءٍ في رمالٍ صحراء؟!!
* كاتب لبناني