مصطفى عامر
الفترة الفاصلة ما بين انتعاشة “شلة هادي” وانكساراتها، هي ذاتها الفترة الفاصلة “ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها”.
ووفق متتاليةٍ هندسيّةٍ غير قابلةٍ للتّغيّر في المدى المنظور، فإنّ الخسارات- وحدها- تبقى الثابت الوحيد في يوميّات “عيال حارة الرّياض”.
فيما يبدو، والله أعلم، أنّ قلقًا ما، خفيا، هو ما يدفع عيال حارة الرّياض إلى ممارسة كلّ هذه الخسارات بحماسة طفلٍ شقيٍّ ينتظر حُلّة العيد. إنّهم- كما هو جليٌّ- قومٌ يعشقون الخسارة، حتّى إذا بزغت شمس يومٍ جديدٍ حملوا إلى رفقائهم البشارات: لقد خسرنا البارحة على نحوٍ ممتاز!
وهذا بالتّأكيد عملٌ مرهقٌ لمحرّري الأخبار، وكُتّاب المقالات، وخبراء اللّغة؛ فكيف يمكنك استجلاب توصيفٍ جديدٍ لأمرٍ يحدث- منذ عامين- على الدّوام؟ .
كما أنّه أمرٌ يحدث بحذافيره حتى أنّ أسماء المناطق المتداولة لا تفنى ولا تُستحدث، وصنعاء توشك على السّقوط كلّ صباح، والوعيد الذي على شاكلة “أيّامكم أيّها الحوافيش باتت معدودة” يُعاد على نحوٍ ممل، وبتنويعاتٍ لا تُخلُّ بالمَبنى ولا تُخلخل المعنى!
كيف يمكنك، أيضًا، القول بأنّ عيال حارة الرّياض خسروا مجدّدًا دون أن تثير تساؤل القارئ عمّا إذا كانت الصّحيفة التي يقرأها الآن قد صدرت اليوم بالفعل؟.. أم أنّها محض تكرارٍ لأعدادٍ سابقةٍ صدرت قبل ثلاثة أيّام، أو قبل أسبوع، أو قبل شهرين، أو حتّى قبل عامٍ ونصف؟!
هل تبدو مُستعدًّا- وبصدق- لأن تدفع اشتراكًا شهريًّا لمزوّديك بالأخبار، فقط لتحصل على خبرٍ يتيمٍ يتكرّر كلّ يوم: عيال حارة الرّياض خسروا مجدّدًا!
هل تمزح؟.. أما زلت تتابع الأخبار وبنفس الحماسة؟ إنّه أمرٌ بديهيٌّ- يا صديقي- أن يخسر عيال حارة الرّياض معاركهم، كما أنّه أمرٌ- لفرط تكراره- يرقى لأن يصبح سُنّةً من سنن الكون.
تمامًا كما تشرق الشّمس كلّ صباح، ويغادر كلّ ذي وظيفةٍ مقرّ عمله قبل انتهاء الدّوام، ويعلن إمام المسجد المجاور لبيتك بأنّ الوضوء اليوم في البيت لعدم وجود الماء.
كذلك- وبنفس الرّتابة يا صديقي- يحتفل عيال الرّياض بانتصاراتهم في كلّ مساء، ويهيلون عليها التّراب في كلّ صباح..