ذهب الكثير بعد حادثة إغتيال السفير الروسي في تركيا “اندريه كارلوف” من قبل ضابط تركي إلى إحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة وذلك في ربط تاريخي لهم لمسببات نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م، حينما أقدم شاب صربي باغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته، وذلك أثناء زيارتهما لسراييفو.
لكن إمتصاص روسيا وتركيا لصدمة الحادثة من خلال إجادتهما في التعامل الدبلوماسي المرن المتعقل لها رغم فضاعت الجرم، أزال نزعة الخوف لدى من ذهبوا إلى حتمية إشتعال حرب عالمية ثالثة، بيد إن هذا التعاطي السلس للواقعة عكس انطباع أخر للعالم ان العلاقة الروسية التركية ستزداد توطيداً وتماسكاً في إنجاح ما اتفقا عليه في مكافحة الإرهاب وحل الأزمة السورية سياسياً..وبالتالي بات لدى روسيا وتركيا إدراك يقيني ان الشيطان يكمن في التفاصيل لاسيما وأنهما بدءا بالتقارب في مسألة حل الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب.
ولا شك أن طرفاً ثالثا كان يقف وراء اغتيال السفير الروسي في تركيا لغرض إفشال الاجتماع المقرر انعقاده الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران بخصوص سوريا بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر.
لقد كان تحرير حلب من “داعش” والفصائل الإرهابية المتشددة من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه الروس والإيرانيين له وقع مؤلم في نفوس داعمي الإرهاب فما كان لهم إلا ان ردوا بتلك الطريقة التي ظهر بها الضابط التركي وهو يذر رصاصات مسدسه في ظهر السفير الروسي لتشفي ولو جزء من غليلهم.
أن الشرارة الأولى للحرب العالمية الثالثة قد إنطلقت في المنطقة العربية (تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا) منذ أن ظهر ما يسمى بـ(الربيع العربي) الذي تم حياكته بإمعان من أمريكا وبريطانيا وفرنسا لإعادة تقسيم الخارطة الجيوسياسية في العالم وتغيير أنظمة جديدة تكون أكثر خضوعا مما كان بحيث يتم السيطرة على تلك الدول وتحويلها الى دويلات ضعيفة وهشة يسهل لها التحكم بها واستغلال ثرواتها بالنحو الذي يمكنها أيضاً إرساء قواعد عسكرية وحربية في بحارها تحت مسميات حماية أراضي هذه الدول (الكنتونية(.
ثمة أطراف دولية وإقليمية لم تكتف بإذكاء فتيل الحروب والصراعات وتغذيتها طائفياً في دول المنطقة العربية، التي تعيش على صفيح ساخن تواجه الموت بشتى أنواعه كل يوم منذ أمد، بل ترى الى ما هو ابعد من ذلك، إذ تسعى لتفجير الوضع العام بصورة وحشية، توقظ مضاجع من لم تشملهم كرة النار بحيث تُحدث تدخلات مباشرة بين أقطاب الحروب التي تدار معاركها بالوكالة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق.
وبالتالي تنزعج أمريكا عندما ترى ان حلفاء لها بدأوا ينسلخون عنها؛ فتعمد على زعزعة أمن وإستقرار ذلك البلد الحليف وخلق فوضى خلاقة فيه، في محاولة منها لإعادته الى طاعتها لكن ما يبدو أن نظرية حكم العالم، بقطب أُحادي قد بدأت ملامحه تتغير ولم يعد كما كان فهو يتجه الآن نحو قطبين متوازيين.
في الأخير جاء اغتيال السفير الروسي في مصلحة روسيا بدرجة الأولى بل ويعزز من موقفها تجاه الإرهاب، ويعطيها شرعية جديدة في مواصلة استئصاله ليس في سوريا وحسب وإنما في جميع البلدان التي تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية.
Assem_alsadah@yahoo.com