- نسيرالآن في الطريق الصحيح لتكريس سلطة الدّستور كاملةً
- عصر القطب الواحد انتهى والتكتلات الدولية تفتح هامشا للمناورة
- نحن بناة حضارة ولسنا بحاجة لمذهبية من أي اتجاه كان
- قدرة اليمن على خلخلة مجال مصالح أميركا أفرزت مبادرة »كيري«
- سلطة»هادي« لم تكن دستورية بل انتقالية.. وهو من أوصل اليمن إلى حافة الهاوية
يؤكد الباحث في القانون الدستوري مصطفى عامر،أن تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني، أعاد بالفعل إلى السلطتين التنفيذية والتشريعيّة،الحياة كاملة، وأدخلت السّلطة في طورٍ جديد،أكثر تماسكًا.
وقال عامر خــلال حــواره مع «الوحـدة» أن أبرز التحديات التي ستواجههـا الحكومة، تتعلق بالشق الاقتصادي ،وتحد آخر دبلوماسي،ويرى أنّ أبواب السّـلام في اليمن مفتوحةٌ ،لأنّ السّعوديّة الآن أضعف منها في أيّ وقتٍ مضى،جازما أن قدرة اليمن على خلخلة مجال مصالح أميركا الحيوي،أفرزت مبادرة «كيري»لانقاذ حليفتها في المنطقة.. فالى نص الحوار:
نجيب علي العصار
Najibalassar@hotmail.com
< دعنا بداية نبدأ بالحديث عن التطورات الأخيرة وانعكاساتها على المشهد العام .. كيف تقرأ خطوة تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني ؟
<< الحقّ أنّه بتشكيل الحكومة الآن، في خطوةٍ لاحقةٍ على تشكيل المجلس السياسيّ وإعادة تفعيل دور البرلمان، تكون الحياة قد عادت بالفعل إلى السلطتين التنفيذية والتشريعيّة، ويمكننا الآن أن نقول بهدوءٍ وثقةٍ بأنّ أصعب خطوات إعادة البناء تمّت بنجاح.
على أنّ الجزء الجوهري من الإجابة- في تصوّري- هو الجزء المتعلّق بدلالة التوقيت.
ذلك أنّه فيما لو تمّ تشكيل الحكومة في بداية العدوان، أو بعد عامٍ من العدوان، فسوف نتحدّث حينها عن حكومة حرب، ذات سلطةٍ مؤقّتةٍ ومقيّدةٍ ترتبط مهامها بإدارة الحرب في المقام الأول؛ على أنّ تشكيلها تمّ في جوٍّ مشحونٍ بمؤشرات إسدال الستار على العدوان برمّته، وقد لا أكون مبالغًا في ما لو أخبرتك أنّ السّتار لن يتمّ إسداله- في ما يبدو- على العدوان فقط، ولكن على دول العدوان أيضًا.
وقد تأتي المناسبة قريبًا لأن نتحدث عن السعوديّة باعتبارها دولةٌ تنتمي إلى الماضي، وعن سلمان باعتباره آخر ملوك السعودية؛ أو- على الأقل- باعتباره آخر ملوك السعودية الموحّدة، والغنيّة بالثروات.
< هل تنجح حكومة الإنقاذ الوطني في منع انهيار كامل للدولة ؟
<< أركان الدولة وفق دوفرجيه- الفقيه الدستوريّ الفرنسيّ الشهير- هي الأرض والشعب والسلطة.
وحينما تسألني عن «منع انهيار ٍكاملٍ للدولة» فإنّ السؤال هذا يحمل في طيّاته افتراضًا بأنّ ثمّة انهياراً مسّ أركان الدولة اليمنية، وهذا افتراضٌ- على الرغم من شيوع استعمال اللفظ- غير دقيق.
صحيح، ثمّة إرباكٌ حدث في السّلطة نتيجة عوامل متعدّدةٍ أهمها الحرب، وبالتأكيد فإنّ تفعيل ثلاثيّ «الرئاسة- الحكومة- البرلمان» سيحدّ من آثار هذا الإرباك، ويؤسّس بشكلٍ فعّالٍ لإدارة ما بعد الحرب.
على أنّ ثمّة التباساً ينبغي توضيحه، فسلطة هادي لم تكن سلطةً دستوريّة، بمعنى أنّها لم تكن سلطةً تستند إلى الدستور، لقد جاءت كنتيجةٍ للمبادرة الخليجيّة سيئة الذّكر، كما أنّها لم تكن سلطةً دائمة، لقد كانت محض سلطةٍ انتقاليّةٍ لمدة عامين، وهي ثالثًا لم تكن سلطةً مفتوحة الصلاحيات، فصلاحيات هادي كانت مقيّدةً في إطار تسهيل الانتقال نحو سلطةٍ دستورية، وهذا ما لم يحدث.
نشأت في ما بعد سلطة أمر واقع، وقد كانت مهامّها مقيّدةٌ بحدود إدارة الحرب وفق الإمكانيّات المتاحة، ثمّ جاء المجلس السياسي وعادت السلطة التّشريعيّة لممارسة دورها وتم تشكيل الحكومة، ودخلت السّلطة في طورٍ جديد، ومهم، وأكثر تماسكًا.
وخلاصة القول أنّنا الآن نسير في طريقنا الصحيح لتكريس سلطة الدّستور كاملةً، لكنّ هذا لا يعني على الإطلاق بأنّ السلطة كانت غائبةٌ في ما مضى، لقد أجمع الفقهاء الدّستوريّون على أنّ أسوأ ما قد يمرّ بدولةٍ ما هو الفوضى، ولهذا فقد أقرّ الفرنسيّون على سبيل المثال كافّة أعمال سلطة الأمر الواقع التي نشأت إبّان الحرب العالمية الثانية.
< في تقديرك وتصورك ورؤيتك، ما التحديات التي ستواجهها؟.. وكأكاديمي.. إلى أيّ حدّ لمستم تفاعلاً إيجابيّاً دوليّاً، مع إعلان وخطوات تشكيل الحكومة؟
<< الحكومة- إذا صحّ التّعبير- محض آلةٍ ضخمةٍ أنتجها المُجتمع بغرض حمايته وتلبية احتياجاته؛ وبدون توفير المرتبات والنفقات التشغيليّة فإنّ هذه الآلة لن تستطيع القيام بمهامها.
وبالتأكيد فإنّ أبرز التّحديات التي تواجهها حكومة الإنقاذ تتعلّق بالشّق الاقتصاديّ في المقام الأوّل، ولا يتعلّق الأمر بجلب الإيرادات فقط، لكنّه يتعلّق أيضًا بآليّات إدارتها.
كما أنّ الحكومة تواجه تحدياً دبلوماسياً كبيراً، لا يقلّ في أهميّته عن التّحدّي الاقتصادي، ومبدئيًّا فإنّ حشد الاعترافات الدّولية من أبرز المهام التي ينبغي على وزارة الخارجيّة القيام بها.
ومن حسن حظنا على أيّة حالٍ أنّ عصر القطب الواحد انتهى، والتّكتلات الدّوليّة الموجودة تفتح بالتّأكيد هامشًا كبيرًا للمناورة، يتبقّى علينا اختيار موقعنا بدقّة، مع التأكيد على الحقيقة التي تقول بأنّ أوراق السياسة الدوليّة لم تعد بالضرورة في يد أميركا، وأنّ دول البريكس وتجمع شنغهاي- على سبيل المثال- سوف تكون حليفًا جيّدًا، وقويًّا.
< في أفق المشهد الراهن ..هل يمكننا الحديث عن تحولات في الملف اليمني لإحلال السلام وإنهاء الحرب على ضوء الخطة الأممية ومبادرة «كيري» ؟
<< هذا سؤالٌ مهم.. وعلى أيّة حالٍ فإنّ ما يحدث في اليمن الآن- في تصوّري- هو حربٌ بين اليمن والسّعوديّة.
وبصراحةٍ بالغة، إذا ما قُطعت اليد السّعوديّة، تمامًا، فإنّ اليمنيين سوف يديرون خلافاتهم البينيّة بهدوء، ويقومون بحلّها باقتدار.
ولهذا فإنّ أبواب السّلام في اليمن مفتوحةٌ الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وذلك في اعتقادي لأنّ السّعوديّة الآن أضعف منها في أيّ وقتٍ مضى.
ينبغي وضع مبادرة كيري في هذا الإطار، لقد جاء الرّجل إلى هنا وقال بصراحةٍ بالغةٍ أنّ ما يهمّه هو تأمين الحدود وتسليم الصواريخ، وقد جاء إلى هنا لأنّه بات يشعر بالقلق من قدرة اليمن على خلخلة مجال مصالح أميركا الحيوية.
نجران وجيزان وعسير هي التي جلبت كيري إلى هنا، ولذلك فهو لم يكلّف نفسه حتى عناء إبلاغ هادي بخطّته؛ فهادي منذ البداية لم يكن رقمًا، كما أنّ ثمّة اقتناعاً الآن بأنّه صار عبئًا، وقد بدأت السّعوديّة الحرب بأطماعٍ كبيرةٍ وانتهت باستنتاجٍ مخيف: هؤلاء ليسوا صيدًا سهلًا، إنّهم يملكون صواريخ فتّاكة وجيشًا- هو رغم كلّ محاولات تفكيكه- متماسك وقوي
لقد حاربتنا السّعوديّة بالإف 16 والابرامز والبرادلي وهادي، وفشلت؛ ولهذا فإنّ كيري مستعدٌّ الآن لبذل أيّ شيء، وكلّ شيء، مقابل تّخلي اليمن عن صواريخها وجيشها وسلاحها.
على أنّه إذ يفعل ذلك- واسمح لي هنا أن أكون مخالفًا لكثيرين- لا يفعله لأجل السّعوديّة وإنّما لأجل الجغرافيا التي تحتويها السّعوديّة، بمعنى أنّه لا مانع لدى أميركا من طيّ صفحة السّعوديّة للأبد، وثمّة اعتقادٌ متنامٍ لدى سادة الخليج الكبار بأنّ تكاليف أمراء الخليج باتت أكثر من إيراداتهم، وأنّه حان وقت الاستغناء عنهم والبحث عن آخرين.
< ما هي المحددات التي تُشكل المواقف الأميركية تجاه الأزمة اليمنية؟ .. وهل سيستمر هذا التناقض مع الإدارة الأميركية الجديدة؟
<< ثمّة مخزونٍ نفطيٍّ هائلٍ في شبه الجزيرة العربيّة، بالإضافة إلى وجود مضيقين محوريّين: باب المندب وهرمز؛ والمواقف الأميركية- والبريطانيّة أيضًا- ترتبط بكافة تحوّلاتها بهذه الحقيقة بالغة الإيجاز.
وفي مقابل استمرار هيمنتها على النفط والمضايق فإنّ أميركا مستعدّةٌ لإعادة رسم الخريطة برمّتها، على أن يراعُى في الخريطة المرسومة منح الجغرافيا الغنيّة بالثّروات للسّكان الأقلّ عددًا والأضعف عدّة، مع عزل الكتل السّكانيّة الكبيرة في مربّعاتٍ جغرافيّةٍ صغيرةٍ بعيدةٍ عن المنافذ، وبالغة الفقر.
ولهذا فإنّه ينبغي بنا قراءة مشروع «اليمن الاتّحاديّ» في هذا الإطار، وقراءة عاصفة الحزم أيضًا في الإطار ذاته.
< هل ترى أننا بحاجة لمذهبية دينية اليوم من أي اتجاه كان ؟
<< اليمنيّون في المقام الأوّل بُناة حضارة، والحضارات العريقة حضاراتٌ متسامحةٌ بطبيعتها، والتعصّب القادم من دويلات النّفط لا يمثّل حقيقة الإسلام كما أنّه لا يعبّر عن جوهر اليمنيين، بقدر ما يعبّر عن الرؤية النفطيّة للإسلام، وهي في كافّة الأحوال رؤيةٌ مشبوهة المنشأ معلومة الخاتمة.
< في رأيك .. من أوصل اليمن إلى حافة الهاوية؟
<< لقد كان أمام هادي مخطّط تفكيكي واضح، يبدأ بتفكيك الجيش وأسلحته وينتهي بفكفكة البلاد، وقد كاد مشروع دستور «اليمن الاتحادي» أن يمر، ونشرت مسودة الدّستور حينها في الصحف، وقد كان رأيي منذ اليوم الأوّل أنّ المسودّة هذه كارثيّة، وهو الرأي الذي نشرته حينها بمقال مفصّل.
وبإختصارٍ شديد، لقد تمّ تقسيم اليمن بناءً على مسودّة الدستور أعلاه إلى ستّة أقاليم، لا يجمعها رابطٌ باستثناء المصالح المشتركة، كما أن الاتحاد بينها- وفقًا للمسودّة- «طوعي»!
وحينما نتحدّث بلغة القانون عن انضمام «طوعي» لاتحادٍ ما، فهذا يعني بالضرورة أن الدخول في الاتحاد كان طوعيًّا، والاستمرار فيه استمرارٌ طوعي، كما أن الخروج منه- في خاتمة المطاف- خروجٌ طوعي!
وإذا كان الدستور يخبرك بأنّ الرابط الوحيد بين هذه الأقاليم هو المصلحة المشتركة، فإنّه يصبح طبيعيًّا أن ينحلّ هذا الاتحاد بمجرد انتفاء المصلحة.
أمّا في خاتمة المسودّة فقد أدخلت مادّةٌ بالغة الغرابة تتحدّث عن الضامن لتنفيذ بنود الدستور الجديد، وهو- ويا للمفارقة!- ليس الشعب، ولكنّه وفقًا للمسودّة ذاتها مجلس الأمن والدّول الراعية.
وهذه بالضّبط هي الهاوية التي كان يراد جرّ البلاد إليها، فقد كان دور هادي يتلخّص في تقسيم اليمن إلى ست دويلاتٍ يجمعها دستورٌ هشٌّ يخضعها للوصاية، ولأنّ هذا المخطّط لم ينجح عن طريق السّلم فقد حاولوا فرضه عن طريق الحرب.