تشير الوقائع السياسية في اليمن الى ان الحاضر المأزوم يقودنا نحو مستقبل أكثر تعقيداً عكس توقعاتنا وآمالنا المبنية على قُرب انفراج سياسي للأزمة اليمنية. فكلما استبشرنا أن الطريق صارت سالكة لإنهاء الحرب والتوجه صوب الحل لكن ثمة عقبات تعترض ذلك التوجه حتى لا نصل الى السلام.
اليوم تبرز مشكلة جديدة على السطح ولعلها الأخطر منذ بدء الحرب على اليمن وهو موضوع الوحدة الذي صار الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي يتخذ منها ورقة ضغط سياسية لعودة شرعيته المنتهية لصنعاء ما لم فإنها محكوم عليها بالانفصال.
يُجيش “هادي” حوله الطغمة والزمرة التي هندست إنفصال اليمن شمالاً وجنوباً في94م، حتى الوقت الذي يستنفد فيه أخر أوراقه ضد خصومه في الشمال اليمني، من ثم يسلم الراية لهم لاستعادة دولتهم المسماة بـ(الجنوب العربي) لكي يُحمل بعد ذلك صنعاء مسؤولية نتائج ما آلت اليه الأمور من تفكك جغرافي لليمن.
لقد ظهرت حكومة هادي في أكثر من محفل دولي أو مناسبة وطنية داخلياً وهي رافعة علم التشطير الجنوبي، الأمر الذي يكشف الرغبة الجامحة لهؤلاء لتقسيم اليمن وعودته الى ما قبل الوحدة، بمعنى إما أن نحكم أو التشطير خيارنا.
استغل هؤلاء الانتهازين القضية الجنوبية وجردوها من اصحابها الحقيقيين للمقايضة السياسية باسمها وكسب المناصب وابتزاز المتمسكين بخيار الوحدة أكانوا من الجنوب او الشمال لمصالحها الشخصية الضيقة، وبالتالي افرغوا هذه القضية من محتواها الاساسي الذي وجدت من اجله وليس فك الارتباط.
فالإمارات تبعث تطمينات لفصائل الحراك الجنوبي باستمرار دعمها حتى نيل استقلالهم من الشمال اليمني؛ فقد أوعزت لقيادات في الحراك بتشكل مجلس سياسي جنوبي تعترف به ويقوم بتقديم طلب لها -أي الإمارات- بضم المحافظات الجنوبية اليها.
وكل هذا يحدث تحت نظر “هادي” وبضوء أخضر منه لأنه يرى أن مستقبله السياسي سينتهي لا محالة، فهو على استعداد تسليم محافظة حضرموت للسعودية ومحافظة عدن للإمارات بينما تعز لا تزال تخوض غمار الحرب وإذا ما تحررت ستسلم لقطر، وبالتالي يكذب حينما يردد أنه سيرفع علم الجمهورية اليمنية في جبال مران بصعدة وهو عاجز عن رفعه في قصر المعاشيق بعدن.!
ورغم المواقف الإعلامية لدول الخليج بوقوفها مع الوحدة اليمنية، غير ان تعاملها على الوقع يتنافى تماما مع ما تُعلن، ففي كل قمة خليجية تؤكد على وحدة اليمن وسيادة أراضيه ولعل أخرها ما جاء في البيان الختامي للقمة الخليجية 37 المنعقدة في البحرين، وفي ذات الحين تتناسى انها انتهكت سيادته وقتلت اطفاله وشردت شعبه وتخطط لتفكيكه، وتستغبي العالم بهكذا موقف مزيف وماكر تخفي وراءه دسائسها الخبيثة.
تتصارع دول الخليج بإستثناء سلطنة عُمان على اليمن لأطماع كامنة في أعماق أرضها وبحرها ومنافذها وثروتها وموقعها الاستراتيجي الذي يعد صمام أمان المنطقة العربية برمتها فهي تسعى لإيجاد هويات مستقلة داخل المجتمع اليمني لتمزيق النسيج الاجتماعي وخلق صراعات إنتمائية دينية، اجتماعية، سياسية، طائفية، ومناطقية لم يعرفها اليمن على مر تاريخه الحضاري، فمن مصلحتها أن يظل هذا القُطر غير مستقر متشرذم يعيش ويلات الحروب فيما بينهم وبدعم منها لكي تستغل خيراته لتعيش هي على حساب اليمنيين.
Assem_alsadah@yahoo.com