لا تزال مفاعيل صدمة تشكيل حكومة عبد العزيز حبتور في صنعاء سارية على تصرفات الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، الذي لم يكتفِ بالردود الهستيرية على تشكيل هذه الحكومة، بل سارع إلى عدد من الإجراءات أهمها التوجه العاجل إلى مدينة عدن، في محاولة منه لإحداث توازن سياسي مقابل صنعاء، وخصوصا أن «خريطة الطريق»، التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، تنهي دوره تماما في العملية السياسية والأمنية، اذا نُفذت الخريطة.
حضور الفار “هادي” إلى عدن يأتي أيضا بعد سلسلة تعيينات أمنية وإدارية في جنوب اليمن لتعزيز قبضته مع حليفه «حزب الإصلاح» (جماعة الإخوان المسلمون) في مناصب الدولة الرئيسية. وحاليا، يعمد فريقه في عدن إلى ترتيب البيت الداخلي المتآكل جراء الفساد والمحسوبية، علماً بأنهم عاجزون مطلقا عن إحداث تغييرات إصلاحية أو وضع خطط تنموية لرفع المعاناة عن الناس. وبجانب أن «فاقد الشيء لا يعطيه»، يتهم فريقه، ومنهم نجله جلال، بالفساد وبالنهب وبالتسلط على مقدرات البلد المالية والاقتصادية. لذا، يبدو أن المقصود بالإجراءات والتعيينات إقصاء المكونات الوطنية، ولا سيما الحراك الجنوبي، ثم حصر التوجه السياسي والأمني في الجنوب في فريق هادي بالإضافة إلى «الإصلاح».
تدرك حكومة هادي، ومن خلفها السعودية، أن المفاوضات تستند عادة إلى الوقائع الميدانية على الأرض، وهي حاليا ليست في مصلحة بقاء الأولى، لذلك يعمد فريقه السياسي إلى التزود برافعات سياسية وأمنية من أجل الارتقاء إلى مستوى يبقيه على طاولة المفاوضات السياسية المقبلة، بعدما ثبت لديه أنه «كبش الفداء» المتاح لدى «التحالف»، وذلك لتقديمه مقابل تحصيل مكاسب سياسية من صنعاء. أو على الأقل مقارنته بحكومة حبتور في العاصمة، وربما التضحية بالاثنتين معا لتسهيل مهمة المرحلة المقبلة.
على هذا الأساس، يأتي تصريح مصادر مقربة من الفار هادي لوكالة الصحافة الفرنسية، أول من أمس، كأنه رد على «خريطة الطريق» الأممية، وخاصة الاعلان الصريح عن رفض تسليم السلطة إلا بالعودة إلى العملية السياسية من حيث بدأت عام 2014، وتمسكه بمنصبه رئيساً حتى الاستفتاء على الدستور وإدارة انتخابات رئاسية يسلم بعدها السلطة إلى «رئيس منتخب وتنفيذ بنود القرار الأممي 2216».
على المستوى الميداني، بدأت مساعٍ حثيثة ومتسارعة من أجل تجهيز قوات عسكرية جنوبية لإعدادها تمهيدا للمعارك المقبلة مع الشمال، وخصوصاً في الساحل الغربي (ذوباب وتعز). ويشرف على الإعداد العسكري اللواء هيثم طاهر، وهو وزير دفاع جنوبي سابق، ويعمل حاليا مع «التحالف» في الإشراف العسكري في جنوب اليمن، بصلاحية وزير دفاع.
المشكلة التي تعترض طريق “طاهر” هي رفض الضباط والجنود الجنوبيين الانخراط في أي عمل عسكري خارج حدود المحافظات الجنوبية، بل اتهم الضباط هذا اللواء باستغلال هموم الجنود ومعاناتهم للزج بهم في جبهات القتال الشمالية، علما بأنه لم يستطع إيجاد حل جيد لقضية مرتبات العسكريين الجنوبين التي مضىت على توقف صرفها شهور عدة. كما تجدر الإشارة إلى أن السعودية نجحت في استقدام مجموعات سلفية تابعة لقوات «المحضار» الجنوبية، وزجت بهم في جبهة البقع في الجانب السعودي للحدود، ما أوقع أعدادا كبيرة منهم بين قتيل وجريح ومفقود.
ربما يستطيع اللواء طاهر ومن خلفه التحالف النجاح تجميع عدد من الكتائب الجنوبية، مستغلين حالة الفقر والعوز عند الشباب الجنوبيين، لزجهم في المعارك المطلوب منه تجهيزها لـ«التحالف»، ولكن الأكيد أنهم لن ينجحوا أبدا في رفع حافزية التشكيلات العسكرية التي لا تستطيع القتال من دون أهداف مقنعة، أو التقدم عسكريا وهي تقاتل في قضية لا تؤمن بها. أيضا، لا يمتلك الفار هادي غير ورقة الشباب الجنوبيين للتقدم بها إلى أي مفاوضات واستخدامها لاستمراره السياسي في المرحلة المقبلة، فيصير على هؤلاء الشباب دفع الفاتورة من دون أن يجني الجنوب اليمني أي فائدة سياسية لقضيته العادلة.
نقلا عن الاخبار اللبنانية