ما من يومٍ أعظم من يوم الانتصار المشهود الذي حققه اليمانيون في تلك اللحظات الجليلة من تاريخه المتجسد في رحيل آخر جندي بريطاني مهزوم من أرض عدن في جنوب اليمن في الـ 30 نوفمبر 1967م ، وعظمة الشعوب هي من عظمة الأيام التي تخلد فيها إنجازاتها الكبيرة ، نعم رحلوا تاركين عدن مجبرين ومُكرهين على ذلك ، ليعودوا أدراجهم إلى حيث أتوا ، إلى مدينة لندن المتشحة بالضباب الحاجب لرؤية البصر والبصيرة حيث كانت ذات يومٍ تحتل مُعظم بلدان العالم وحتى أنهم يقولون إنها البلد الوحيد التي لم تغيب عنها الشمس .
غادروا مستعمرتهم عدن وتركوا خلفهم تحديات لا حدود لها ستواجه أية حكومة قادمة مهما امتلكت من خطط و سـياسـات لتجاوز التركة الثقيلة ، تركوها خلفهم لقيادةٍ شابةٍ فتيةٍ تنقصها التجربة والقدرات والامكانات .
رحلت بريطانيا (العظمى) وسلمت السلطة في عدن وبقية سلطنات و مشـيخات و إمارات ما كان يُسمى بالجنوب العربي إلى قيادة التنظيم السياسي للجبهة القومية بعد أن خاضت الأخيرة (حربين أهليتين داميتن) دارتا رحاها لاستلام السلطة بين شريكي الكفاح المسلح ، هما الجبهة القومية وجبهة التحرير لجنوب اليمن المحتل .
هاتان الواقعتان بين رفاق السلاح كانت أولى (لعنات الفراعنة) على اليمن الجنوبي ، وهي بمثابة إرث الدم المسفوح المتوارث جيلاً بعد جيل ، مازال أهلنا بالمحافظات الجنوبية والشرقية تدفع ثمنه عالياً كمتوالية هندسية شيطانيةٍ متواصلة حتى يومنا هذا ، والغريب في الأمر أن (قادة ذلك الزمان) لم يكلفوا أنفسهم بتقييم الواقعة الأليمة تقييماً علمياً موضوعياً ، كي يضعوا أساسٍ مادي وأخلاقي لأي خلافٍ قد يحدث لاحقاً ، هم للأسف من أسـس للجريمة دون وعي ودراية بغياب الرؤية والبصيرة ، وجرياً خلف سراب السلطة ومنافعها الآنية الرخيصة ، وذلك عبر تبسيط مبدأ الوصول إليها من خلال السباحة في مجرى الدماء المسفوحة بين (البسطاء من الرفاق) ، ولذلك استمرت المشكلة منذ بداياتها وحتى اليوم ، و رافق ذلك الصراع تبرير ديماغوجي ارعن لتشريع الانقضاض على المنافع بهذه الوسيلة و الطريقة المدمرة .
وتظل (الفكرة الجهنمية) مستمرة وتم لاحقاً كل صراعات الرفاق الدموية على ذات القاعدة ، التي تبدأ بحياكة فكرة الخلاف ، والشروع في تنفيذها ، وبعدها يتم الاعتذار الخجول ، و تبدأ الحكاية من جديد لتشكيل نواة فكرة التحالفات الجديدة وهكذا تتوالى الأحداث بتراجيدية أكثر إيلاماً .
نتذكر الذكرى الجميلة في مثل هذا اليوم المجيد من تاريخ شعبنا وبعد مرور 49 عام من الاستقلال الوطني ، تعود عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية من جديد تحت حكم المُستعمرين الجدد من ( الأشقاء الأَعْرَاب ) من حكام المملكة السعودية ومشيخة الإمارات محاولين إعادة عجلة التاريخ الى الخلف ، مستغلين ذلك الفراغ في تصحر الوعي والإدراك لدى العامة من البسطاء للخطورة التاريخية من ذلك التدخل المشين المؤثر على إستقلالية القرار الوطني وعلى تدنيس الارض اليمنية ذات التاريخ الشامخ ٠
نعود الى القاعدة القانونية الفقهية القائلة (بأن ما بُني على باطل فهو باطل) تصلح كأساس للتقييم الموضوعي لذلك التاريخ المزدحم بالأحداث والوقائع والجرائم التي شوهت نضال شعبنا اليمني العظيم في جنوب الوطن سابقاً ، و الابتعاد في التقييم عن ما كنا مُعتادين عليه من قيام الفرقة (المنتصرة) بتبرير الحدث وتسطيح الوقائع وتزييف وعي الأجيال اللاحقة ، وبالنتيجة خلق ثقافة سياسية مشـوهة متوارثه تدفع فاتورتها الأجيال المتعاقبة .
الخلاصة :
علينا جميعاً التعلم والتثقف بشجاعة وصدق من أخطاء تجربتنا السياسية المُرة التي كان لسلوك الإقصاء والتهم الجاهزة و انعدام ثقافة التسامح ، كان لها دوراً محورياً في إخفاق الأنموذج السياسي الحزبي في التجربة اليمنية برمتها ، وهو فشل ذريع اكتسح الوطن برمته .
نأمل من النُخب السياسية العاقلة الصالحة أن تعي الدرس جيداً بأن بعد هذه التجربة المتعثرة التي بذر بذورها الأوائل (كنبتةٍ شيطانيةٍ) هي التي أوصلت شعبنا إلى كوارثٍ مُهلكةٍ و آخرها جريمة اِستدعاء دول العدوان لضرب اليمن العظيم والتي مازالت مستمرةً إلى لحظة كتابة هذه السطور مُنذ ما يزيد عن 20 شهراً ، عليها أن تعي الدرس جيداً ، والله أعلم منا جميعاً .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني